آخر المواضيع

lundi 16 avril 2012

17:55

المساواة بين الرجل والمرأة

المساواة بين الرجل والمرأة
قال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم} [البقرة: 228].
المساواة بين الرجل والمرأة في أخذ الحقوق وأداء الواجبات، قيمة سامية، وغاية نبيلة، يسعى إليها الجميع، ذكرًا أو أنثى، إلا أنها أصبحت سلاحًا ذا حدين، يستخدمه أعداء المرأة في الداخل والخارج حيث جعلوا منها أداة لخدمة أهدافهم غير النبيلة، فتعالت صيحاتهم مطالبة بـ:
1- تحرير المرأة من كل القيود الدينية والاجتماعية، وإطلاق حريتها لتفعل ما تشاء، متى تشاء، وكيفما تشاء! وما لهذا خلقت المرأة، وما هذا دورها في المجتمع!
2- تعليم المرأة على قدم المساواة مع الرجل، في أي مجال ترغب فيه أو تهفو إليه نفسها، دون نظر إلى ما ينفعها بوصفها امرأة، لها رسالة خاصة في الحياة، ولها مهمة عظيمة يجب أن تعد لها.
3- أن تعمل المرأة مثل ما يعمل الرجل، تحت أي ظرف وفي أي مجال، دون النظر
-أيضا- لما يتناسب مع طبيعتها الأنثوية وتكوينها الجسمي والنفسي.
4- مساواة المرأة للرجل في الحقوق المالية، فطالبوا بأن يتساوى نصيبها في الميراث بنصيب الرجل، مع ما في ذلك من مخالفة صريحة لشرع الله، ودون نظر إلى تبعات الرجل المالية من نفقة وغيرها، مما يتناسب مع زيادة نصيبه في الإرث.
والأصل أن ننظر في الإرث بما قسم الله وقضى، لأنه -سبحانه- هو المشرع له، العالم بحكمته -سبحانه- فيما قضى وقدر، دون ظلم لأحد، ولم ينظر القائلون بالتسوية في ميراث الأخوة من أم، فميراث الذكر مثل ميراث الأنثى، وربما زاد نصيب المرأة أحيانًا عن نصيب الرجل.
هذه أمثلة من دعاواهم، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ؛ لأنهم لم يدركوا معني المساواة التي يطالبون بها، وما تجره آراؤهم على المرأة من ويلات هي في غِنًى عنها، كما لم يدركوا ما أعطاه الإسلام للمرأة من حقوق وامتيازات، فجهلوا أو تجاهلوا وضع المرأة قبل الإسلام في مختلف المذاهب والحضارات، وما آل إليه وضعها في ظلال الإسلام.
وضع المرأة في اليونان:
فإذا ألقينا نظرة على بلاد اليونان القديمة، نجد أنه بالرغم من الثقافة والعلوم، فإن وضع المرأة لم يكن أكثر من كونها خادمة، وعلى أحسن تقدير: مديرة للبيت، بل إن اليونانيين -أصحاب تاج الفلسفة- كانوا يسكنون زوجاتهم في حجرات تقل فيها النوافذ، مع حرمانهن من الخروج إلى السوق أو غيره..
ورغم نظرية أفلاطون الفلسفية المتعلقة بواجبات المرأة العسكرية والسياسية، فإن النساء ظللن معزولات عن الحياة العامة؛ بحكم العرف والقانون اليوناني.
لقد كان المبدأ السائد في التصور اليوناني: (أن قيد المرأة لا ينبغي أن يُنْزَع) ولذلك علت الأصوات بعد انهيار الحضارة اليونانية تطالب بالتحرر من الجسد ونجاسة المرأة التي كانت سببًا في الفساد، وأُمْطرَتِ المرأة اليونانية بوابل من اللعنات والتهم الشنيعة.
وضع المرأة في الهند:
وفي الهند، كان يحكم على المرأة بالإحراق حية مع تابوت زوجها المتوفى.
وضع المرأة في اليهودية:
أما في اليهودية؛ فكان اليهود يقرون أن المرأة خطر، وشر يفوق شر الثعابين، وكانوا ينظرون للمرأة نظرة إذلال وتحقير، وكانوا يعدّون البنات في منزلة الخادمات، وكانت هناك بعض التقاليد التي تحرم زواج البنت ؛ لتظل في خدمة أسرتها، مع حق وليها في بيعها بيع الإماء.
وضع المرأة عند بعض المذاهب المسيحية:
والمرأة عند بعض المذاهب المسيحية؛ هي جسد خال من الروح، ولا استثناء لامرأة إلا مريم العذراء.
وضع المرأة في الجاهلية العربية:
وفي الجاهلية العربية كانت المرأة جزءًا من الثروة، فكانت تعد ميراثًا لابن الموروث.
وكانت النظرة الجاهلية للبنات تقوم على التشاؤم، ولذلك ظهرت عادتهم الرذيلة في وأد البنات، أي قتلهن وهُنَّ على قيد الحياة.
وضع المرأة في الإسلام:
وأمام هذا التاريخ المظلم جاء الإسلام ووضع المرأة في مكانها الطبيعي، وأعاد إليها حقوقها ومكانتها التي سُلِبَتْ منها، تحت ظلام الجهل وفساد العادات والتقاليد.
فأكد الإسلام على وحدة الأصل والنشأة بين الذكر والأنثى، فقال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا} [النساء: 1].
ورفض الإسلام موقف المشركين وتبلد مشاعرهم، وعدم تفهمهم لدور المرأة في الحياة، وكونها أصيلة في نظام الحياة أصالة الذكر، بل هي المستقر له، فهي أشد أصالة لبقاء الأسرة، ولذلك نظر إليها الإسلام على أنها هدية من الله، وقدم القرآن ذكرها على الذكور، قال تعالى: {يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا ويجعل من يشاء عقيمًا} [الشورى: 49-50].
لقد وضع الإسلام المرأة على بساط الاحترام والتكريم والمودة، بما يهيئ المجتمع نفسيًّا ليستقبل كل وليدة بصدر مطمئن ونفس راضية واثقة في عون الله، قال تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم} [الإسراء: 31].
كما كرم الإسلام المرأة وهي في مرحلة الشباب، فمنحها أهلية التعبير عن إرادتها في أخص شؤون حياتها، وهو تكوين بيتها واختيار زوجها، قال (: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن)، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها ؟ قال: (أن تسكت) [مسلم].
وجعل الإسلام للمرأة كيانًا متفردًا، ومنحها العديد من الحقوق كحرية التملك على قدم المساواة مع الرجل، قال تعالى : {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبًا مفروضًا}
[النساء: 7].
واحترم الإسلام هذه الملكية وعززها بمنح المرأة حرية التصرف فيها، قال تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا} [النساء: 4].
وساوى القرآن بينها وبين الرجل أمام القانون في الحقوق والواجبات؛ كحق إبرام العقود وتحمل الالتزامات، وحق الدفاع عن حقوقها أمام القضاء. فقال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة: 228].
افتراءات وردود:
وأما ما يقال عن أن بعض أحكام الإسلام فيها مساس بالمرأة كالميراث ؛ حيث يكون نصيبها نصف نصيب الرجل، وكالشهادة؛ فشهادتها تعدل نصف شهادة الرجل، وكالطلاق، وتعدد الزوجات، فهذه الأمور هي في جوهرها تكريم للمرأة، وصون لمكانتها، فالفرق في هذه الأمور جاء حفاظًا على كرامة المرأة، واحترامًا لطبيعة تكوينها:
- فأما عن الميراث وكونه نصف ميراث الرجل في بعض الحالات، فقد قابل الإسلام هذا الأمر بما يعادله في حق الرجل، فقد ألزم الشرع الكريم الرجل بالإنفاق على المرأة، في كل طور من أطوار حياتها، فالبنت في مسؤولية أبيها أو أخيها أو من يقوم مقامهما، والزوجة نفقتها على زوجها، ولا نفقة عليها، وقد قرر الله -تعالى- ذلك بقوله: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} [النساء: 34]. وفي بعض الحالات قد يفوق ميراث المرأة ميراث الرجل بحسب القرابة، فليس الأمر دائمًا أن يكون ميراثها نصف ميراث الرجل.
- وأما بالنسبة للشهادة؛ فقد راعى الشارع الكريم في ذلك الخصائص النفسية للمرأة، فالمرأة عاطفية بحكم تكوينها النفسي، وقد تغلب عاطفتها؛ ولذا قال تعالى: {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} [البقرة: 282].
كما أن المرأة بطبيعة حركتها الاجتماعية لا تشاهد ما يشاهده الرجل، ولا تشترك فيما يكسبها الخبرة وما يؤهلها لعدم الخديعة ببعض المظاهر الكاذبة، وقد يوقعها ذلك في المحظور من حيث لا تشعر، ومع ذلك فقد أعطى الشرع الحنيف للمرأة حق الشهادة فيما تختص هي بممارسته، كالشهادة في الإطلاع على المولود عند الولادة ونحو ذلك؛ وذلك لأن الشهادة تتفاوت بحسب موضوعاتها، وقد تقبل شهادة المرأة منفردة، كما قدم شهادة المرأة فيما يخص أمور النساء كالولادة وغيرها.
- وأما عن الطلاق؛ فعاطفة المرأة غلابة، وغضبها قريب، ولذا أعطى الله للرجل سلطة التطليق المباشر لما يميزه من تريث وتحكيم للعقل قبل العاطفة، ولما يستشعره من عواقب الأمور، وفي الوقت نفسه لم يحرم الإسلام المرأة من طلب الطلاق، إذا وقع عليها من الضرر مالا تحتمله، أو ضاقت سبل العيش بينها وبين زوجها، وأصبح من المستحيل استمرار الحياة، وفي كلتا الحالتين يأخذ كل من الزوج والزوجة حقه.
- وبالنسبة لتعدد الزوجات؛ فهو علاج لكثير من المشكلات الاجتماعية، مثل العاقر التي لا تنجب ويرغب زوجها في الولد ولا يريد فراقها، وكذلك زيادة عدد النساء عن الرجال في بعض الظروف مثل الحروب.
كما أن المرأة هي وعاء النسل ومحضنه، ولا يعقل أن تطلب حق تعدد الأزواج لتختلط الأنساب وتضيع الأعراض، ومقابل ذلك شرط الإسلام العدالة عند التعدد والقسمة العادلة بين الزوجات.
شقائق الرجال:
لقد جاء في الحديث الشريف، أن النبي ( قال: (إنما النساء شقائق الرجال) [أبو داود والترمذي]، فالرجل والمرأة سواء أمام الله، ورُبَّ امرأة تقية أكرم عند الله من الرجل: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13]، فالجنة ليست وقفًا على الرجال دون النساء.
ولقد ضرب القرآن الكريم المثل في الصلاح بالمرأة، فقال تعالى: {وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتًا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين. ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين} [التحريم: 11- 12].
لقد جاء الإسلام بقيم ومبادئ ترفع من مكانة المرأة وتصون لها كرامتها، ولكن ظهر الخطر وصوبت السهام ضد الإسلام والمسلمين، فهل تنتصر المسلمة لدينها وتصد كيد الطامعين؟! قال تعالى: {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون} [التوبة: 32].
17:55

الحب

الحب
الحب من أسمى العواطف الإنسانية، وأرقى الغرائز التي جبلت عليها الفطرة البشرية، وهو إحساس وشعور نفسي ووجداني، ينجذب به القلب تجاه المحبوب بحماسة وعاطفة جياشة.
درجات الحب:
والحب درجات، أسماها حب الله ورسوله، ثم حب الأهل وخاصة الوالدين والأقارب والأصدقاء، ثم الحب بين الرجل والمرأة. والحب بين الرجل والمرأة منه الحلال، وهو الذي يربط بين الزوج وزوجته، ومنه الحرام كالانحرافات والشذوذ والعلاقات غير الشرعية بين الرجل والمرأة.
والحب الحلال ينشأ في ظل الله ورضاه، ويترعرع تحت أعين الناس وبمباركتهم، أما الحب الحرام فينبت في تربة سوء يرعاها الشيطان، ويرويها بالغواية والضلال، ويزينها بالهوى. والحب الحلال يباركه الله، ويغبطه الناس، أما الحب الحرام فلا يرضى عنه الله ويرفضه المجتمع.
والمرأة بحكم تكوينها النفسي، أكثر عاطفة، وأرهف إحساسًا من الرجل، فحبها أعمق وشعورها أقوى، ولكن الحب -في كثير من حالاته- أصبح مشكلة خطيرة تضر بالمجتمع وأفراده، فقد طغت الصور المحرمة منه على الصور الحلال، وانتشر الفساد، وتفككت الأسر، وخُرِّبت البيوت، وانتهكت الحرمات، كل هذا تحت شعار الحب.
أسباب المشكلة:
ولمشكلة الحب الحرام أسباب عديدة منها:
انتشار كثير من المفاهيم والأفكار الخاطئة لدى الشباب عن ضرورة ممارسة الحب، وتجربته، ومعايشته، مما ينتج عنه من سوء الخلق المتفشي في أيامنا هذه، والاختلاط الفاسد دون رقابة أو حدود في البيت بين الأقارب وغير الأقارب، وفي الشارع، وفي وسائل المواصلات، وفي المدارس والجامعات، وفي الأندية والمنتزهات، فكان سبيلاً للفساد ونشر الفتن والشرور، فبه تسهل الرذيلة ويعمل الشيطان عمله.
قال الشاعر :
نظرة فابتسامة فســلام فكلام فموعــد فلقـاء
فالنظرة سهم من سهام إبليس، فمن أطلق لها العنان لم يجن إلا الهلاك.
يقول الشاعر:
كل الحـوادث مبداها من النظـر ومعظم النار من مستصغر الشــرر
وسائل الإعلام بصورها العديدة، وما تبثه من أفكار، وما تعرضه من أفلام ومسلسلات، تصور الحب الحرام في صور تجعل منه عنوان التضحية والوفاء، فتمسخ بذلك قيم وأخلاق الشباب، وتدفعهم إلى التجربة دفعًا حتى يكون لهم نصيب من هذه التضحية والفناء في سبيل الحب!!
نتائج المشكلة:
فكان نتيجة هذه الأسباب أن انتشرت الفتن وغلبت الشهوات، فكم من زوجة خانت زوجها، وكم من زوج خان زوجته، وكم من فتاة فقدت عنوان شرفها، وكم من فتى عاث فسادًا، وكم من مقدسات انتهكت، وحرمات أبيحت، كل هذا تحت دعوى الحب!!
دور المرأة:
وهنا يأتي دور المرأة أو الفتاة، والتي إذا فرطت في كرامتها وانساقت مع تيار هواها، كانت سبيلاً للفتنة والفساد، فهي الزوجة التي بحبها لزوجها وكونها السكن والأمان له تصون بيتها وتحفظ مجتمعها، وهي الأم التي بتربيتها لأبنائها وفق المبادئ والقيم السامية تمد المجتمع بالسواعد القادرة على بنائه والنهوض به، فعلى المسلمة الالتزام بالضوابط التي وضعها الإسلام لما فيه صلاح الأفراد وخير المجتمع...
ضوابط إسلامية:
ويجب مراعاة بعض الضوابط التي وضعها الإسلام لصيانة الفرد وحماية المجتمع مثل:
1- الأمر بغض البصر والنهي عن النظر الحرام، قال تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} [النور: 30-31]، وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال، قال (: (النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة، فمن تركها من خوف الله أتاه إيمانًا يجد حلاوته في قلبه) [الحاكم].
2- عدم الاختلاط إلا لضرورة تهدف لخير الإسلام والمسلمين، وتجنب الاختلاط الفاسد للهو والعبث.
3- الاهتمام بالزواج، والترغيب فيه، وتيسير سبله، وجعله الوسيلة الشرعية لتحقيق الحب والسكن، قال تعالى : {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} [الروم: 21]، وقال (: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)
[متفق عليه].
4- حث المرأة على الحفاظ على زوجها، وعلى حيوية الحب بينهما من خلال أعمال بسيطة كتبادل الهدايا، والنظرات الحانية الدافئة، والمشاركة يدًا بيد في أعماله ونشاطاته، فالحب كالزرع ينمو بالرعاية، ويذبل بالإهمال.
5- الدعوة إلى التمسك بالفضائل، ونهي النفس عن الهوى، قال تعالى: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. فإن الجنة هي المأوى}
[النازعات: 40-41].
6- بيان أن كل أمور الدنيا ما هي إلا وسائل نحو الغاية السامية، وهي الوصول لأسمى درجات الإيمان ممثلة في حب الله ورسوله، فهو غاية الفرد التي إليها يسعى، وبها ينال الفوز والسعادة قال تعالى: {والذين آمنوا أشد حبًّا لله} [البقرة: 165]، وقال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} [آل عمران: 31].
7- دعوة المسؤولين عن وسائل الإعلام أن يتقوا الله في ما يبثونه من مادة إعلامية على شباب وفتيات، ونساء ورجال هذه الأمة، ولا يتخذوا من هذه الأجهزة أبواقًا ينفث منها الشيطان سمومه، بل عليهم أن يقوموا بدورهم -من خلال هذه الأجهزة- في نشر القيم والفضائل السامية، التي بها يزدهر المجتمع ويسعد أفراده.
إن الإسلام لا يعادي المشاعر الإنسانية، ولكنه يسد أبواب الفواحش فالحب حلاله حلال، وحرامه حرام.
17:53

الجنس

الجنس
لقد اتخذ أعداء الإسلام من الجنس سلاحًا لتحطيم الأمة المحمدية، واعتبروا قوته وتأثيره يفعلان أكثر مما يفعله ألف مدفع، فانهالوا علينا بوابل من الفتن، وأغرقونا في بحار الغريزة.
وانتهوا إلى القول: إنكم أعددتم نشئًا في ديار المسلمين، لا يعرف الصلة بالله، وبالتالي جاء النشء طبقًا لما أردنا؛ لا يهتم بعظائم الأمور ويحب الراحة والكسل، ولا يصرف همته إلا في الشهوات، فإذا جمع المال فللشهوات، وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات. هكذا أرادوا وهكذا وجدوا في الجنس ضالتهم لإبادتنا بعد أن عجزت ويلات الحروب عن كل ذلك.
الجنس أصبح بضاعتهم الرائجة لنا، وقد عرف أعداؤنا أنه لا سبيل لهدم أمتنا إلا بمحاربة ذلك الدين الداعي إلى العفة والطهارة والحياء، لذا انهالت التهم والأراجيف المستهزئة بالإسلام وكتابه وآياته، وقالوا: إنه يدعو للكبت والجمود ويحارب العواطف.
أقوى الغرائز:
إن غريزة الجنس أقوي الغرائز التي أودعها الله في الإنسان، وجعل الزواج سبيلاً شرعيًّا لإشباعها. قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة} [الروم: 21].
فالجنس غريزة في الطبيعة الإنسانية، أودعها الله -تعالى- في الإنسان -رجلاً كان أو امرأة- من أجل التكاثر والتناسل، وقد وضع الإسلام لتلك الغريزة ضوابط وحدودًا وأحكامًا؛ حتى لا يصير النسل البشري فوضى، وليحفظ الإسلام الأنساب من الضياع، وليحمي الإنسان من الشيطان وفتنه.
النظر إلى الجنس:
وتختلف نظرة الرجل والمرأة إلى الجنس باختلاف مراحل حياته، فالفتاة والشاب -مع ما فيهما من براءة وشفافية وقلة خبرة- يصبح للجنس مكانًا مميزًا في حياتهما، لاسيما وهما ينتقلان من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ والمراهقة ثم الرجولة والأنوثة الكاملة، فهما يستشعران أمورًا كثيرةً يجهلان حقيقتها، ويريدان معرفتها، واستكشاف تلك المناطق المجهولة التي يخوضها الكبار، ويريد كل منهما تحديد علاقات مع الجنس الآخر.
وهنا يغزو موضوع الجنس جلَّ تفكيرهما، ويداعب خاطرهما، وقد تنجم مشكلات عديدة إذا لم يتولَّ الآباء والأمهات مهمة تبصيرهم وتهيئتهم للدور الاجتماعي الجديد الذي ينبغي عليهم مراعاته، وللأمهات والآباء أن يمدّونهما بالكتب العلمية والدينية التي تساعد على تثقيفهما وتوعيتهما بهذا الموضوع، وعليهم أن يحسنوا الظن بهما.
علاج هذه الشهوة:
وعلى الشباب والفتيات الالتزام بمبادئ الإسلام وتعاليمه، فترتدي الفتاة الزي الشرعي، وتكون عفيفة طاهرة تتجنب المخالطة الفاسدة للرجال، ولا تشيع الفتنة، ولا تبدي مفاتنها كي لا يطمع الذي في قلبه مرض.
ويجب على الشباب أن يراقب الله -تعالى- فلا ينظر إلى ما حرم الله، وأن يبتعد عن الاختلاط، فلا يشاهد ما يثير الغريزة: كالأفلام الخليعة، وصور المجلات الرخيصة أو غيرها من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة، إذا ما خالفت تلك الوسائل شرع الله.
وقد عالج الإسلام تصريف تلك الشهوة بالإسراع بالزواج عند الاستطاعة وبتصبير النفس في الطاعة والصيام لمن لا يستطيع الزواج.
وتختلف النظرة إلى الجنس بعد الزواج ؛ إذ يجعل الزواج الجنس حقًّا مشروعًا، يمارسه الزوجان بالشكل الذي يرضي عنه الله -عز وجل-، فلا شذوذ ولا انحراف.
آداب للزوجين:
وقد وضع الشرع العديد من الآداب للزوجين، والتي يجب مراعاتها عند الجماع من أجل أن تتحقق الغاية المنشودة منه.
ومن هذه الآداب: الذكر قبل الجماع كقوله (: ( بسم الله. اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا) [متفق عليه]، كما حرص الإسلام على حسن معاشرة الزوجين، وإظهار العاطفة الجياشة بينهما، والرفق والحرص على استمتاع كل منها بالآخر، لتحقيق العفة لهما وإشباع شهوة الرجل وأنوثة المرأة.
وقد حثَّ الإسلام على التطهر والنظافة، والتزين والتطيب من الزوجة لزوجها، ومن الزوج لزوجته، ونبَّه إلى الستر عند الجماع، ودعا إلى السرية وكتمان ما يقع بينهما.
إن الإسلام لا ينظر للجنس باحتقار -كما يظن البعض- ولا يدعو إلى التنزه عنه، فلا رهبانية في الإسلام، بل يعتبره غريزة فطرية وطبيعة بشرية، لكنه يضع له الحدود والآداب بما يحفظ طهره وتماسكه ليظل مجتمع الرسالة والدعوة طاهرًا ونظيفًا.
17:52

تحرير المرأة

تحرير المرأة
الحرية كلمة عذبة تتوق إليها النفوس البشرية، وقيمة سامية تؤكد إنسانية الإنسان، لذلك فلا غرو أن يسعى إليها كل الأفراد، ويبذلوا في سبيلها الغالي والنفيس، ويؤيدوا كل من يحمل لواءها ويذود عنها.
وقد جاء الإسلام حاميًا للحرية مدافعًا عنها، فحرر المرأة من الذل والخزي والهوان الذي كانت تعيش فيه أيام الجاهلية وأخذ بها إلى حمى العزة والكرامة والشرف؛ سواء أكانت هذه المرأة ابنة، أو أختًا، أو أمًّا، أو زوجة.
دعوات تحرير المرأة:
وقد ظهرت في بلاد المسلمين دعوات لتحرير المرأة، وهي في حقيقة أمرها دعوات للانحلال والتسيب الاجتماعي والخلقي، بدأت بدعوة النساء إلى نبذ الحجاب الشرعي الساتر لها، الحافظ لعفتها وكرامتها، والخروج من البيت بحجج شتي كالعمل والمساواة مع الرجل والاختلاط بالرجال اختلاطًا فاحشًا دون ضابط من خلق أو دين، وهذا الذي أدى إلى ضعف الحياء وفقدان العفة والسقوط في مهاوي الرذيلة، مما يسبب الإضرار بالبيت والأسرة والمجتمع.
ولم توازن هذه الحركات في دعوتها إلى تحرير المرأة بين واجباتها داخل بيتها، وبين مسؤولياتها خارجه فأثر ذلك على بناء الأسرة، وحرم الأطفال من الحياة الأسرية الهادئة، وخلا البيت ممن يقوم على شؤونه.
ودعاوى تحرير المرأة برفعها شعار المساواة والحرية تُنَفِّر من قوامة الرجل؛ مما يؤدي إلى التمرد عليه وعلى التقاليد الإسلامية والروابط الأسرية، وفي كلٍّ ضياع للأسرة ثم للمجتمع كله، يشهد على صدقه الواقع.
ومن المحزن أن الكثير من المسلمات انبهرن ببريق هذه الدعوات، وظنن أنها تحقق ما يردن من سعادة ونعيم، وهذا يرجع لأسباب سوء أحوال المرأة في كثير من بلدان العالم الإسلامي، وجعل بعض العادات والتقاليد غير الشرعية ملصقة بالإسلام؛ كتسلط الرجل على المرأة بدعوى القوامة وسلبها حقوقها، أو عدم إشراكها معه في التفكير والرأي بدعوى نقصان العقل.
وجهل المرأة بتعاليم الإسلام، وعدم تعليمها ما ينفعها، وإغراقها في الأفكار المدمرة لعقلها وبيتها كدعوى التحرر.
ومن هذه الأسباب أيضًا: الحركة الاستعمارية المسلطة على العالم الإسلامي. ومحاولات التدمير الفكري والاجتماعي من قبل أعداء الإسلام وهو ما يعرف بالغزو الفكري.
الإسلام وتحرير المرأة:
وعلى كل من ابتليت بهذه الدعوى وصدَّقتها وانجرفت في تيارها أن تعلم أن الإسلام قد حرر المرأة، فحفظ لها حقوقها بما يضمن عدم إساءة الرجل لها، وأتاح مجالات تنمية كفاءتها ومواهبها الفطرية.
لقد أعطى الإسلام المرأة حقوقها الاقتصادية فجعل لها من الميراث نصيبًا بعد أن كانت محرومة منه، بل وساواها في بعض حالات الميراث بالرجل، ودافع عن حقوقها الاجتماعية فأعطاها حرية اختيار الزوج، بل وحرية طلب الطلاق في حالة تعثر الحياة الزوجية، وجعل لها حق حضانة الأطفال، وحافظ على عفتها وشرفها وكرامتها فأمرها بالحجاب والتستر، وكلف الرجل بالإنفاق عليها حتى ولو كانت ثرية، حتى لا تضطر للخروج من أجل العمل، فإن اضطرت للخروج فلا غبار عليها.
أدلة تكريم المرأة:
وأدلة القرآن والسنة كثيرة في بيان تكريم المرأة. قال تعالى: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرًا}
[النساء: 124]، وقال تعالى: {للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} [النساء: 32]، وقال تعالى: {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا} [النساء: 19].
وقال ( : (إنما الدنيا متاع، وليس من متاع الدنيا شيء أفضل من المرأة الصالحة) [ابن ماجه].
وقال ( : (من اْبتُلِي من البنات بشيء، فأحسن إليهن، كُنَّ له سترًا من النار) [مسلم].
أكاذيب وأباطيل:
وعلى الرغم مما حققه الإسلام للمرأة من حقوق نجد من ينادي بتحرير المرأة المسلمة، ويزعم -كذبا وبهتانًا- أن الإسلام يقيد حركتها ويجعلها حبيسة بيتها وأسيرة زوجها وهيكلا متحركًا خلف أسوار حجابها إلى غير ذلك من الأكاذيب؛ مما يعد هجومًا على الإسلام وخداعًا للمسلمة، ليمكن استخدامها حربًا على دينها ومجتمعها.
وكل ذلك ليس إلا شعارات براقة خادعة يُبتغى من ورائها إفساد المرأة بحجة تحريرها وإخراجها من بيتها وطبيعتها التي خلقها الله وفطرها عليها. وبهذا الشعار الماكر يخربون البيوت، ولقد كان هذا السهم الغادر موجهًا إلى صدر المجتمعات الإسلامية للنيل من أبنائه وبناته، وسهمًا لمحاربة العفة والطهارة.
دور الاستعمار:
وقد تزامنت هذه الدعاوى الماكرة -التي ظهرت في القرن التاسع عشر- مع الاحتلال الاستعمأرى لمعظم الأقطار الإسلامية، وكان الهدف منها طمس الهوية الإسلامية وإذابة اعتزاز المسلمة بدينها وخلقها وإفساد رسالة المرأة السامية في تربية النشء تربية إسلامية، وفي هذا يقول زعيم المبشرين القس (زويمر): ليس غرض التبشير التنصير فقط... ولكن تفريغ القلب المسلم من الإيمان... وإن أقصر طريق لذلك هو اجتذاب الفتاة المسلمة إلى مدارسنا بكل الوسائل الممكنة، لأنها هي التي تتولى عنا مهمة تحويل المجتمع الإسلامي وسلخه عن مقومات دينه.
نتيجة التحرر:
ثم جاء الخطر الجسيم من المنادين بهذه الحركة والحاملين للوائها ممن ينتسبون للإسلام. وكانت نتيجة من اندفعن مع هذا التيار أن دفعن الثمن، ففقدت المرأة سعادتها وكرامتها كابنة وأم، وزوجة ذات رسالة في تربية النشء.
وخسرت الأسرة بذلك مقومات صلاحها وبقائها، بوصفها وحدة أولى ولبنة أساسية في المجتمع، بحكم ما أصاب الأسرة من طبيعة الصراع بين عنصريها الرجل والمرأة، فلم تعد السكن الهادي ولا المنزل السعيد، والمسلمة الواعية تستشعر هذا الخطر المحدق بها، وتحرص على تجنبه وعدم الانزلاق فيه.
17:49

الموضة

الموضة 
إن السعي لملاحقة الموضة قضية اجتماعية خطيرة تواجه المجتمعات الإسلامية، في ظل ظروفها الاقتصادية والاجتماعية المتردية، والنفس البشرية تتوق دائمًا للجمال وتعجب به، فالجمال هبة من الله يهبها لمن يشاء، وقد أخبر النبي ( بأن الجمال من صفات الله -عز وجل- فقال: (إن الله جميل يحب الجمال) [مسلم]. بكل ما تحمل كلمة جمال من معنى.
وقد أمر الله -عز وجل- عباده بالتزين والتجمل في غير إسراف، مع التأكيد على أن لباس التقوى هو الساتر الحقيقي للإنسان، قال تعالى: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون} [الأعراف: 26] .
الزينة المباحة:
والمسلم يعمل على الاهتمام بمظهره الخارجي كل حسب طاقته وقدرته، وكل هذا مباح ولا غبار عليه مادام لا يتعدى حدود الشريعة الآمرة بستر العورة للرجال والنساء على السواء، قال تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} [الأعراف: 32].
فالتجمل والاعتدال فيه والانضباط أمر حسن ومحمود، أما الإسراف فيه والتقليد الأعمى لكل ما يبتدع على أيدي أعداء الإسلام فهو المذموم الذي لا يحبه الله
-عز وجل- ولا يرضاه لعباده. ومما يؤسف له أن نرى من المسلمات من يلهثن وراء خطوط الموضة كما يسمونها، ويعدُّون هذا تحضرًا وتقدمًا.
منبع الموضة:
وينبغي بداية أن نعلم أنَّ الموضة من صادرات الغرب الصليبي إلى بلاد المسلمين، فالموضة هي مجموعة أذواق وأهواء ضالة، تصور للناس السُّذَّج على أنها الحضارة بعينها، وأن من لا يفعل ذلك فهو غير متحضر ولا يجأرى العصر.
الدائرة المفرغة:
والعجب كل العجب أن هذه الموضة تتغير بتغير الزمان والمكان والفصول والشهور، والطول والقصر، والسمنة والنحافة، وكبر السن، وصغره، مما يؤدي بمن تتتبعها أن تدور في دائرة مفرغة لا ينتهي بها الدوران حتى تقضي عليها.
وقبل الحديث عن الموضة ينبغي للمسلم أن يضع في حسبانه بعض المبادئ الشرعية، حتى يفهم كيف يتعامل مع الموضة، فقد أمر الله -عز وجل- المؤمنين بعدم اتباع أهواء القوم الضالين، قال تعالى: {ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرًا وضلوا عن سواء السبيل} [المائدة: 77]، وقد لعن رسول الله ( المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء [البخاري].
موضة النساء:
ونحن نرى أن المرأة -خاصة- في مجتمعاتنا الإسلامية قد انجرفت في تيار الموضة، فإذا أمر الغرب بإطالة الثوب سَمِعَتْ لأمره، وإذا أمر بتقصيره أو لبس الثياب اللاصقة بالجسد كانت أول من يسمع ويطيع. فالمتبعة للموضة تبدو وكأنها إنسانة خاوية من داخلها لا تملك إلا أن تسلِّم وتستسلم لأصحاب الأهواء، فإذا أمرها الغرب بارتداء (البنطلون) بدعوى أنه يسهل حركتها ويساعدها على ممارسة الرياضة والذهاب إلى العمل، سمعت وأطاعت بدون وعي ولا تدبر.
وكذلك اختيار الإكسسوارات وألوان الماكياج التي يجب أن تتفق مع لون الفستان. أو البشرة، والدقة في اختيار قَصَّة الشَّعْر وتسريحته، بحيث يتماشى مع أحدث القَصَّات العالمية.. إلى غير ذلك.
موضة الرجال:
وإن كانت الموضة توجه أكثر النساء، فإن أعداء الإسلام لم يتركوا الرجال، فظهر في الشباب تقليد الغربيين وغيرهم من فساق هذه الأمة، فتراهم يقصون شعرهم كما يقصه أحد المغنيين أو أحد الرياضيين، كما يلبسون السلاسل الذهبية في أعناقهم، ويرتدون ملابس معينة، تشبهًا بقوم هم -لما فيهم من فسوق- لا يساوون عند الله جناح بعوضة.
المستفيد الأول:
والمستفيد الأول من الموضة الشركات التي تتاجر في المنتجات الخادمة لهذه الموضات، كالشركات المنتجة لأدوات التجميل، وكذلك وسائل الإعلام المروِّجة لهذه المنتجات التي تجعل همَّ الإنسان الأكبر متابعة الموضة وملاحقة كل ما ينشر عنها في وسائل الإعلام بما يكفي لصرفه عن الغاية الأساسية التي خُلِقَ من أجلها وهي عبادة الله وتعمير الكون بالعمل الصالح، قال تعالى: (وما خلقت الجنَ والإنس إلا ليعبدون) [الذاريات: 56].
الآثار الخطيرة للموضة:
- كَشْفُ المرأة لمفاتنها بين الناس فيه إثارة الغرائز، مما يؤدي إلى الفساد والانحلال الخلقي، وهذا بدوره كفيل بانهيار المجتمع وضياع الروابط والعلاقات الصالحة بين الناس.
- انتشار الكبر والتفاخر بين الناس، حيث إن كل من الرجل والمرأة يتباهى ويتفاخر بثيابه على الآخرين ويهتم بأناقته أمام المجتمع، وقد حرم الإسلام أن يلبس المسلم لباس شهرة.
- انشغال وسائل الإعلام بخدمة هذه الموضة، حيث إنها الوسيلة الأولى لنشر خطوط الموضة وتعريف الناس بها، سواء أكانت وسائل إعلام مرئية أم مسموعة، أم في صورة كتب ومجلات خليعة، فوسائل الإعلام تسعى وراء المكاسب المادية فلا تراعي القيم الخلقية في سبيل مكاسبها. وبدلاً من أن يكون الإعلام أداة وعي يصبح أداة لصرف الناس عن رعاية شئون الأمة الإسلامية والاهتمام بالمصالح الشريعة.
- انتشار العديد من الأمراض وبخاصة الجلدية بين النساء؛ نتيجة استخدام بعض أنواع الكِرِيم والشامبو ووسائل التجميل الأخرى، وانتشار العديد من الأمراض النفسية وخاصة بين النساء، كالحسد والحقد والإحباط حيث إن بعض النساء لا يجدن ما يسايرن به الموضة.
- خروج المرأة للعمل سعيًا وراء المال الذي يحقق لها أهدافها لشراء أحدث الأزياء، بدلا من أن تتحمل مع زوجها نفقات الحياة المتزايدة يومًا بعد يوم، فإنها تنفق ما تحصل عليه من مال لإشباع رغباتها، وفي هذا إثارة لمشاعر الزوج تجاهها، وبداية لتفتت الأسرة، وقد يضطر الزوج مع كثرة إنفاق زوجته أن ينزلق في مهاوٍ خطيرة كالسرقة أو الرشوة أو الاختلاس.
دور الإسلام:
وأمام هذه الآثار الخطيرة المدمرة يقف الإسلام حاميًا ومدافعًا عن المسلمين حتى لا يسقطوا في الهاوية، فالإسلام أَمَرَ بالتزين والتجمل، ولكنه حث على الاعتدال والوسطية، قال تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} [الأْعراف: 31] ، وقال ( : (كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة) [البخاري وأحمد]، ولقد نهى الإسلام عن التكبر فقال (: (بينما رجل يمشي قد أعجبته جُمَّتُهُ وبُرْداَه إذ خُسِفَ به الأرضُ، فهو يتجلجل في الأرض حتى تقوم الساعة)
[متفق عليه].
وقد صان الإسلام المرأة ووضع لها من الضوابط ما يصونها من العبث والامتهان. ونذكر المرأة المسلمة -خاصة- لوقوعها في أخطار الموضة بحديث رسول الله (: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات، مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) [مسلم].
فأي الطريقين أحق أن يتبع، وأيهما عنوان الحضارة والتقدم؟! وصدق الله -عز وجل- إذ يقول: {وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلك وصاكم به لعلكم تتقون} [الأنعام: 152]. إن الإسلام يحرص على الهوية الإسلامية لأتباعه، وأن تكون لهم شخصية استقلالية فلا يجرون وراء كل لاهث، ولا يسمعون لكل ناعق، فمنهجهم يحفظ لهم شخصيتهم وتمييزهم عن بقية الأمم.
التبرج والحجاب
لا يخفى على أحد ما عمت به البلوى في كثير من البلدان الإسلامية، من تبرج كثير من النساء وسفورهن وعدم احتجابهن عن الرجال، وإبداء زينتهن التي حرم الله عليهن إبداءها، ولا شك أن ذلك من المنكرات العظيمة والمعاصي الظاهرة التي تحل بها العقوبات وتنزل النقمات، ويترتب عليها ظهور الفواحش وارتكاب الجرائم وقلة الحياء وعموم الفساد.
إن معصية التبرج لها ثقل كبير في ميزان الآثام، وبها تسقط المرأة في براثن الشيطان؛ لتصبح شيطانة ظاهرة للعيون، تفوق في فسادها وإفسادها ما يفعله الشيطان بأتباعه.
ما هو التبرج؟:
والتبرج هو أن تُظْهِر المرأة للرجال الأجانب ما يوجب الشرع أن تستره من زينتها ومحاسنها؛ كأن تبدي لهم مفاتن جسدها، أو أن تفتنهم بمشيها وتمايلها وتبخترها.
والتبرج معصية ليست فردية، بل هي معصية اجتماعية، تشترك فيها المتبرجة مع ولي أمرها الذي يسمح لها بذلك ولا يمنعها، ويشارك فيها أفراد المجتمع الذين لا يبالون بزجر المتبرجة وردها عن غيها؛ لذلك استحقت المتبرجة اللعن والحرمان من الجنة بل من تنسم ريحها.
حكم التبرج:
والتبرج محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وما تفعله أكثر نساء هذا الزمان من التبرج والزينة ما هو إلا مجاهرة بالعصيان وتشبه بالكافرات وإثارة للفتنة، قال تعالى: {وقرن في بيوتكم ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} [الأحزاب: 33]، وقال (: (صنفان من أهل النار لم أرهما.. قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا
وكذا) [مسلم].
أسباب التبرج:
وللتبرج أسباب كثيرة منها:
1-ضعف الإيمان في النفوس، فتستحسن القبيح، وتستقبح الحسن ويصير المعروف عندها منكرًا، والمنكر معروفًا.
2- التقاعس عن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3- قلة العلم، وظهور الجهل، وقلة العلماء العاملين بعلمهم، الذين يحملون القدوة لمجتمعاتهم.
4- سوء التربية والتوجيه والتعليم من جهة الآباء ومن جهة منشآت التعليم،
5- وسائل الإعلام ودورها الخطير في تشجيع التبرج والسفور والاختلاط،
6- تقليد الأوربيين والأمريكيين، واتخاذهم قدوة ومثلاً أعلى في الحضارة والتقدم.
آثار التبرج:
آثار التبرج كثيرة، منها:
شيوع الفواحش، وسيطرة الشهوات، وحلول الرذيلة، وفساد الأسر، وتفشي الطلاق، والإساءة إلى المرأة في عفافها وعرضها، ثم يأتي بعد ذلك الانهيار الأخلاقي الشامل.
الحجاب حرية:
وقد أمر الله تعالى بالحجاب، وهو أن ترتدي المرأة ما يستر جسمها وزينتها عن أنظار الرجال غير المحارم، والمرأة التي تعتقد أن الله تعالى يضيق عليها بفرضه الحجاب، هي امرأة لم تتشبع روحها بالإيمان، ولم يتشرب قلبها حقيقة الإسلام، وإلا لفهمت أن حريتها تكمن في ستر جسدها من عيون الفساق.
والإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع عفيف، لا تهيج فيه الغرائز والشهوات، ولا تستثار، حتى لا تنتهي إلى سعار شهواني لا يرتوي. فلا مكان في المجتمع المسلم للنظرة الخائنة والحركة المثيرة والجسم العاري، من أجل ذلك كله فرض الله الحجاب على المرأة حفظًا لها من الأذى، ومنعًا للرجال من الوقوع في الفتنة.
حكمة الحجاب:
والحجاب أو الزي الشرعي واجب على المرأة المسلمة وجوبًا عينيًّا لا يسعها تركه، وقد تعددت النصوص الواردة في ذلك، ومثاله قوله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورًا رحيمًا} [الأحزاب: 59].
وقوله تعالى: {قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن} [النور: 31].
شروط الحجاب:
ويشترط في الزي الشرعي بعض الشروط، منها:
-أن يكون ساترًا لجميع البدن: على رأي بعض الفقهاء، وقد استثنى بعضهم الوجه والكفين، لقوله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن} [الأحزاب: 59]، والجلباب: هو الثوب السابغ الذي يستر البدن، ومعني الإدناء : الإرخاء والسدل.
-أن يكون كثيفًا غير رقيق ولا شفاف: لأن الغرض من الحجاب الستر.
-ألا يكون زينة في نفسه أو ذا ألوان جذابة تلفت الأنظار؛ لقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} [النور: 31]. أي بدون قصد أو تعمد، فإذا كان في ذاته زينة فلا يجوز ارتداؤه ؛ لأن الحجاب هو الذي يمنع ظهور الزينة للأجانب.
-أن يكون واسعًا غير ضيق: لا يصف البدن بضيقه، ولا يجسِّم العورة، ولا يظهر مواضع الفتنة.
-أن لا يكون معطرًا: حتى لا يثير الرجال، ويجذب اهتمامهم، قال ( : (كل عين زانية، والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس، فهي كذا وكذا) يعني زانية [الترمذي].
- أن لا يشبه زي الرجال: لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لعن رسول الله ( الرجل يلبس لبْسةَ المرأة، والمرأة تلبس لبْسَة الرجل.
[أبو داود].
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله ( قال: (لعن الله المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء) [البخاري]، يعني المتشبهات بالرجال في أزيائهن، كبعض نساء هذا الزمان.
أهمية الحجاب:
الحجاب من أنفع الوسائل وأقواها في منع الفاحشة، وهو الذي يجنب المرأة والرجل مسالك الفتنة والوقوع في المعصية. وتقوم فلسفة الضوابط الشرعية لزي المرأة في الرؤية الإسلامية على تحييد أنوثتها في حركتها الاجتماعية، والتركيز على البُعد الإنساني والإيماني في تعاملها مع الأجانب عنها، وليس بُعد الأنوثة، وذلك في كل ما يرتبط بحركتها خارج بيتها.
النظرة الغربية:
وهذه الضوابط الشرعية قد خالفتها النظرة الغربية للمرأة تمامًا، فأصبحت سلعة تخضع للعرض والطلب، وتعرض للإهانة، بل وشيوع مضايقتها جنسيًّا، وتفشي الاعتداء عليها واغتصابها.
الشرع الحكيم:
ما أحكم الشرع الإسلامي الذي فرض على المرأة الحجاب رمز الطهر والنقاء والعفاف، وصدق الشاعر إذ يقول :
صوني جمالك إن أردتِ كرامـــةً
كي لا يصولَ عليك أدني ضَيْغَم
لا تعرضي عن هَدْي ربك ساعـةً
عَضِّي عليه مدي الحياةِ لتَغْنمــي
ما كان ربك جائرًا في شرعـه
فاستمسكي بِعُراهُ حتى تَسْـلَمِي

الزينة
عني الإسلام كثيرًا بأمر الزينة، وأمر بها نصًّا في كتابه الكريم، فقال جل شأنه: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: 31].
والزينة اسم جامع لكل ما يُتزَيَّن به، ويدخل فيه التحلي بالحلي واستعمال الكحل والحناء، وغير ذلك من الأشياء المباحة.
الزينة المباحة:
- لبس الذهب والفضة وغيرهما من اللؤلؤ والياقوت والزمرد والزبرجد، وقد بين ذلك النبي ( عمليًّا عندما أخذ ذهبًا فجعله بيمينه، وحريرًا جعله بشماله، ثم قال قولته المشهورة : (إن هذين حرام على ذكور أمتي، حل لنسائهم) [ابن ماجه].
- الخضاب (صبغ الشعر): وهو تغيير لون شيب الرأس بالحناء والصفرة والكَتَم، وتجنب السواد؛ لحديث أبي ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله ( قال: (إن أحسن ما غير به هذا الشيب الحناء والكتم) [أبو داود والترمذي والنسائي]، ولقوله ( : (غَيِّروا هذا بشيء واجتنبوا السواد)
[أبو داود، وأحمد].
أما تجميل الوجه وتزيينه بالمساحيق، والتجمل بالأصباغ، وما شابه ذلك فلا يوجد نصوص تمنع من ذلك، وليس هو تغييرًا لخلق الله؛ لأنه تغيير مؤقت، يزول بالغسل بالماء، فهو مباح لها في بيتها، ولزوجها فقط، ولا يصح أن تخرج به.
- الحناء: فقد قالت عائشة -رضي الله عنها-: أومأت امرأة من وراء ستر بيدها إلى رسول الله (، فقبض النبي ( يده، وقال: (ما أدري أيد رجل أم يد امرأة؟)، قالت : بل يد امرأة، قال : (لو كنت امرأة لغيرت أظفارك) (يعني بالحناء) [أبو داود، والنسائي].
- التطيب: عند عدم وجود أي رجل أجنبي؛ قال (: (من عُرِض عليه ريحان فلا يرده، فإنه خفيف الْمَحْمَل طيب الريح) [مسلم، وأبو داود]. ويباح لها كذلك الكحل، ويباح لها -أيضًا- ترجيل الشعر ودهنه وتنظيفه، قال ( : (من كان له شعر فليكرمه) [أبو داود].
الزينة المحرمة:
- التبرج: قال الله تعالى: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله} [الأحزاب: 33]، وقال تعالى: {إن يدعون من دونه
إلا إناثًا وإن يدعون إلا شيطان مريدًا. لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبًا مفروضًا. ولأضلنهم ولأمنينهم ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليًّا من دون الله فقد خسر خسرانًا مبينًا}
[النساء: 117- 119] .
إن من أخلاق المرأة التي قيدت أنوثتها بقيود الشريعة: الاحتشام، والعفاف، والحياء. أما المرأة التي تحللت من قيود الشريعة وتعدَّت حدودها، فخلقها: التبرج والإغراء. ولقد اتسعت مظاهر التبرج في العصر الحديث، فشملت خروج النساء عاريات مع إظهار زينتهن الخلقية والمكتسبة التي فيها تغيير لخلق الله.
- وصل الشعر: فعن أسماء -رضي الله عنها- أن امرأة سألت النبي ( فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي أصابتها الحصبة فتمرق شعرها (تقصف وسقط)، وإني زوجتها، أفأصل فيه؟ فقال (: (لعن الله الواصلة والمستوصلة) [متفق عليه].
والواصلة مَنْ تصل شعر المرأة بشعر أخرى، والمستوصلة من تطلب وصل شعرها، واللعن أقوى الدلالات على التحريم، والوصل تغيير لخلقة الله بإضافة شعر خارجي للمرأة. ولقد تطور الوصل في العصر الحديث -عن طريق استخدام ما يسمونه (باروكة) أو (بوستيجيه)- ويكون الشعر المستخدم لذلك إما من شعر المرأة الأصلي
الذي سبق قصه، أو من شعر طبيعي لامرأة أخرى، أو من شعر حيوان، أو من شعر صناعي، ويكون في حكم الوصل ما تستخدمه بعض النساء من رموش صناعية، وخلاصة الأمر أنه يحرم على المرأة وصل شعرها بشعر آخر في حالة الصحة أو في المرض، وسواء كانت متزوجة أو غير متزوجة، وسواء كان ذلك بإذن زوجها وعلمه أو بدونهما، فكل ذلك حرام.
- الوشم: قال ( : (لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة) [متفق عليه].
والوشم هو غرز إبرة -أو نحوها- في الجلد حتى يسيل الدم، ثم يحشى بالكحل أو بمادة أخري حتى يخضر. وللوشم أسماء مختلفة تختلف باختلاف البلاد، ومنها (الدق). ويقوم الواشم أو الواشمة برسم أشكال مختلفة على الجلد في مناطق الوجه واليدين والذراعين غالبًا، وتظل الرسوم ثابتة لا تزول، وهذا تغيير لخلق الله؛ لذا فهو حرام، والمستوشمة هي التي تسأل وتطلب أن يُفعَل بها ذلك.
- النمَاص: النمص يراد به ترقيق شعر الحاجبين على الخصوص. والنامصة هي التي تأخذ من شعر حاجب غيرها، وترققه، والمتنمصة هي التي يُفعل بها ذلك، وهو حرام؛ لقول رسول الله ( : (لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله) [مسلم].
وقال الطبري: لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها، بزيادة أو نقص، التماسًا للحسن لا لزوج ولا لغيره، كمن تكون مقرونة الحاجبين فتزيل ما بينهما. ويقول الإمام النووي : ويستثنى من النماص ما إذا نبت للمرأة لحية أو شارب، فلا يحرم عليها إزالتها، بل يُستَحب.
- التفلج: قال ( : (لعن الله... والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله...) [مسلم].
والمتفلجة هي التي تَبرُد من أسنانها؛ ليتباعد بعضها عن بعض قليلاً، ويُسمَّى أيضًا الوشر، وهو حرام.
- الخروج بالطيب: قال (: (أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية). [أبو داود والترمذي والنسائي]؛ لما في ذلك من الفتنة. أما تعطر المرأة أمام زوجها وفي بيتها فهذا أمر مباح لها، بل واجب عليها إذا طلبه زوجها منها إعفافًا لنفسه، وإبقاء على المودة بينهما.
- التزين بما فيه تشبه بغير المسلمات: لقوله (: (من تشبه بقوم فهو منهم) [أبوداود، وأحمد]، وقد لعن رسول الله ( المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال [البخاري].
لمن تظهر المرأة زينتها؟
قال تعالى: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملك أيمانهن أو التابعين غير أولي الأربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور: 31]. استثنى الله-تعالى- اثني عشر صنفًا من الناس يجوز للمرأة أن تبدي زينتها لهم، وما عدا ذلك فليس لها أن تبدي شيئًا من زينتها لهم.
زينة المرأة لزوجها: يجب على المرأة أن تتزين لزوجها، وذلك بالتعطر والتكحل واللباس الحسن؛ حتى تسره وتضاعف من رغبته فيها، كما أنه أدعى إلى دوام المحبة والمودة بينهما. ولا يجيز لها الإسلام أن تتزين بمحرم أو بما فيه مادة محرمة، حتى ولو أمرها زوجها؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وينبغي ألا تقصد بزينتها أحدًا غير زوجها.
الكوافير:
و من العادات السيئة التي انتشرت في كثير من بلاد المسلمين، ذهاب النساء إلى ما يُسمَّى بالكوافير أو الصالونات لتصفيف شعورهن أو للتجمل، ولا يخفى على أحد ما يحدث في تلك الأماكن من المخالفات الشرعية، وعلى المسلمة ألا تقع في هذه الأمور، مع حرصها على التجمُّل لزوجها، ولا مانع أن يكون لديها أدوات تستعملها في بيتها كالكريمات والمساحيق، وأدوات تصفيف الشعر.
الرؤية الإسلامية:
إن الإسلام أعطى المرأة مكانة متميزة، واحترم فيها عقلها، وقدر فيها إيمانها وتقواها وإنسانيتها، ويريدها إذا ظهرت في المجتمع أن تعامل وفق إيمانها وتقواها وسلوكها القويم، وليس وفق مظهرها وجاذبيتها وفتنتها.
فالرؤية الإسلامية لزينة المرأة خارج بيتها رؤية واضحة، فهي تحرم أن تبدو المرأة خارج بيتها بوصفها أنثى، تتزين بما تراه جاذبًا لأنظار من حولها؛ لأن ذلك يحيلها إلى سلعة للفتنة وبضاعة للهو والعبث، ويفقدها أهم ما تعتز به من الدين والخلق والعقل، بل والإنسانية.
17:48

الاختلاط

الاختلاط 
الاختلاط باب من أبواب الشر، يبدأ بالنظرات، ثم الابتسامات والسلامات والكلمات، وينتهي باللقاءات، ثم المصائب والفضائح والنكبات، والاختلاط حبل من حبائل الشيطان يزين به للناس الشر، ويلبس عليهم بأنه شيء صغير حقير، فيندفع أصحاب الهوى إليه غافلين عن شرره، ومعظم النار من مستصغر الشرر. وقد حذرنا الله -تعالى- فقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر} [النور: 21].
معنى الاختلاط:
الاختلاط الفاسد هو اجتماع النساء والرجال الذين ليسوا بمحارم لهن في مكان واحد دون التزام للضوابط الشرعية، من غض البصر وقول المعروف وعدم الخضوع بالقول وتجنب إبداء زينة المرأة وغير ذلك من الآداب الشرعية وهذا الاختلاط الفاسد يمكنهم فيه الاتصال بالنظر أو الإشارة، أو بالكلام، أو بالملامسة، مما يوقع في الريبة والفساد.
الاختلاط عادة جاهلية:
والاختلاط بهذا المعنى الذميم عادة جاهلية قديمة، جاء الإسلام فوضع له الحدود والضوابط، وظل المسلمون محافظين على حدود الحشمة وآداب العفة، وصيانة الحرمات والأعراض، حتى غزت أوربا بلاد المسلمين فأشاعوا فكرة الاختلاط الفاسد من جديد. وقد أرادوا أن يمحوا الروح الإسلامية السائدة في المجتمع الإسلامي.
وقد اتخذ أعداء الأمة من بعض المثقفين الذين سافروا إلى أوربا، وحصَّلوا العلم هناك ناصرًا لمآربهم ومعينًا لتحقيق أهدافهم، حيث نادوا بالاختلاط الذميم وادعوا أنه ضرورة نفسية واجتماعية، وحجتهم في ذلك أنه يمنع العقد، والشعور بالخجل تجاه الجنس الآخر، وأن منعه حرمان خطير، فهو يؤدي إلى الإشباع العاطفي، ويعلم الذوق، وفن التعامل الراقي!!
ومن ثم ذم هؤلاء وأتباعهم التحجب، واستقرار المرأة في بيتها، وقد ظهر هذا في تعليمات مدارس التبشير التي أنشئت خصيصًا لهذه الغاية، والتي تستند في إعادة تشكيل المرأة المسلمة على النمط الغربي الذي تتلاشى فيه كلمة الحرام والحياء والفضيلة، ومن ثم الدين والعقيدة والأخلاق.
وعمدوا إلى القرآن والسنة، يحاولون لي أعناق النصوص حتى تتمشى مع أهوائهم حتى يخدعوا عوام الناس، فضلوا وأضلوا، وهكذا نمت بذرة السفور والاختلاط المحرم في المجتمع المسلم، وأصبح مجتمعًا ممسوخًا يمثل نسخة باهتة من المجتمع الغربي {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} [النساء: 143].
آثار الاختلاط:
والاختلاط الفاسد شرٌّ كله، فهو يبدد طاقات الشباب، ويقتل ملكاتهم، ويصيبهم باليأس والإحباط، بالإضافة إلى التفكك والضياع وانتشار الجرائم والفساد وسقوط المجتمع فريسة للرذيلة والانهيار، وهذه كلها أمور من الطبيعي أن تحدث في مجتمع عمد إلى الاختلاط فاتخذه سبيلاً! فهل رأيت إنسانًا قفز في البحر ثم خرج منه دون أن يبتل؟! وهل يلقي أحدنا بنفسه في النار دون أن يحترق؟!
العلاج الأمثل:
وفي العودة إلى الإسلام ومبادئه السامية العلاج الأمثل لهذه الأخطار، حيث يوضح الإسلام أن خير حجاب للمرأة بيتها، ولم يبح الاختلاط بدون ضوابط.
وقد حرص المسلمون الأُول على آداب الاختلاط، حتى إنهم كانوا إذا انتهوا من صلاتهم مكثوا قليلا حتى تخرج النساء قبلهم، خوفًا من الوقوع فيما حرمه الله من النظر غير المباح أو الملامسة غير المشروعة أو نحو ذلك، وذلك أدعى لجلب المصالح، ودرء المفاسد، وغلق منافذ الشيطان.
موقف الإسلام:
وقد يتساءل البعض هل نحجر على المرأة ونحبسها في بيتها، ونجعلها أسيرة جدرانه باسم الإسلام؟
والحقيقة أن الالتزام بالدين ليس حجرًا على المرأة، وليس قيدًا عليها، فلقد شهدت عصور الإسلام الزاهرة ما يخالف هذا الرأي الجائر، فقد كانت النساء تشهد الجماعة والجمعة في مسجد الرسول ( وتسمع الخطبة والعلم، حتى إن أم هشام بنت حارثة حفظت سورة (ق) من فم الرسول ( من كثرة ما سمعتها من فوق منبر الجمعة [مسلم].
وفي رواية لأم عطية قالت: سمعت رسول الله ( يقول: يخرج العواتق (اللائي لم يتزوجن)، وذوات الخدور (الزوجات)، والحيض وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين، ويعتزل الحيض المصلى) [متفق عليه] تعني بذلك خروج النساء لشهود صلاة العيد.
وكانت النساء يحضرن دروس العلم وتسألن عن أمور دينهن، وامتد هذا النشاط النسائي إلى المشاركة في خدمة الجيش والمجاهدين، فعن أم عطية الأنصارية قالت: غزوت مع النبي ( سبع غزوات أخلفهم في رحالهم، وأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى. [ابن ماجه].
بل صح عن نساء بعض الصحابــة أنهن شاركن في بعــض الــغزوات والمعارك الإسلامية بحمل السلاح، عندما أتيحت لهن الفرصة، ومن ذلك ما قامت به أم عمارة نسيبة بنت كعب يوم أحد حتى أشاد الرسول ( بما قامت به من أعمال. [الذهبي في سير أعلام النبلاء]، وكذلك اتخذت أم سليم خنجرًا يوم أحد تبقر به بطن من يقترب منها.
ضوابط الاختلاط:
إن اللقاء بين الرجال والنساء جائز إذا كان الهدف هو المشاركة في غاية كريمة تتطلب جهودًا متضافرة من الجنسين، ولكن في إطار الحدود التي رسمها الإسلام وبينها لعباده لما فيه صلاحهم وسعادتهم ومن ذلك:
(1) وجود الضرورة أو السبب النبيل الموافق للشرع، وحبذا لو وجد محرم للمرأة معها.
(2) عدم الإسراف أو التوسع في خروج المرأة إلا لسبب جائز.
(3) الالتزام بغض البصر، قال تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} [النور: 30-31].
(4) التزام المسلمة بالزي الشرعي الذي يصون كرامتها ويحفظ حياءها، ويكون عنوانًا لوقارها.
(5) أن تتجنب الزينة التي تقود لارتكاب الفواحش والمنكرات.
(6) الالتزام بآداب الإسلام في حركاتها وسكناتها، وفي وقوفها ومشيها، وفي كلامها وصمتها.
وهكذا يصون الإسلام كرامة المرأة، وعفتها، ويحقق لها طهرها ونقاءها، ويرفع من قدرها ومكانتها، في مقابل زيف نداءات العصرية والمدنية والحرية المزعومة التي أشاعت الفساد على مستوى الأفراد وعلى مستوى المجتمعات.
17:46

تعدد الزوجات

تعدد الزوجات
أترضى المرأة التي أقعدها المرض عن القيام بحق زوجها أن يصاحب زوجها امرأة أخري أو يواقعها في الحرام، فيكون مآله إلى جهنم وبئس المصير؟! أم تقبل أن يكون لزوجها زوجة أخرى؟
أتحب المرأة التي مات عنها زوجها وهي ما زالت شابة أن تعيش أرملة لا تجد من يتزوجها، فيحفظها ويصون عرضها؛ لأن غيرها من النساء يرفضن أن تكون هي الزوجة الثانية؟! بالطبع لا تقبل المرأة لنفسها ولا لغيرها ذلك.
أباطيل وشبهات:
وأعداء الإسلام -قديمًا وحديثًا- يوجهون للنظام الإسلامي اتهامات باطلة وشبهات كاذبة، وحملات حاقدة ليشككوا في صلاحيته، ومقومات خلوده على مدى الزمان، وللأسف الشديد وجد هؤلاء الأعداء من المسلمين من يستجيب لآرائهم، ويؤمن بمعتقداتهم وأفكارهم.
ومن التهم التي يثيرونها إباحة الإسلام لنظام تعدد الزوجات بلا ضوابط، ويتخذ هؤلاء الأعداء من هذا التعدد ذريعة للطعن في الإسلام وفي الرسول (، ويتهمون الإسلام بأنه أهدر مكانة المرأة، ونال من آدميتها، وحط من إنسانيتها.
وهذا الاتهام قد يستهوي بعض العقول القاصرة، بل ربما يتأثر به بعض من ينتسبون إلى الإسلام، فيذهبون إلى ترويجها وإشاعتها، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.
ونسي أو تناسى هؤلاء أن الإسلام لم يكن أول من شرع نظام تعدد الزوجات، وإنما كان موجودًا في الأمم القديمة كلها تقريبًا، عند الصينيين والهنود والبابليين والآشوريين، ولم يكن للزواج عند أكثر الأمم عدد محدود من الزوجات، فالديانة اليهودية كانت تبيح التعدد دونما حد، وأنبياء التوراة جميعًا بلا استثناء كانت لهم زوجات كثيرات، ولم يرد في النصرانية نص صحيح يمنع التعدد، وقد ثبت تاريخيًّا أن من بين المسيحيين الأقدمين من كان يتزوج أكثر من واحدة.
مشروعية التعدد:
وتعدد الزوجات مشروع في كتاب الله، قال تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا} [النساء: 3]. وقد سأل
عروة بن الزبير السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن سبب نزول هذه الآية فقالت: (يا بن أختي، هذه اليتيمة تكون في حِجْر وليها تشركه في ماله، ويعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا عن أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا لهن أعلى سنتهن في الصداق، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن. [متفق عليه].
ويقول الإمام الغزالي: ومن الطباع ما تغلب عليه الشهوة، بحيث لا تحصنه المرأة الواحدة، فيستحب لصاحبها الزيادة عن واحدة إلى الأربع.
وقد سلك الإسلام طريقًا وسطًا في إباحة التعدد، حيث جعله إلى عدد محدود، وفي هذا منافع لا ينبغي لمشرِّع أن يتغافل عنها، من ذلك أن طبيعة الرجل الجنسية قد تقوى فلا يقنع بامرأة واحدة، فإذا سددنا عليه باب التعدد فتح لنفسه باب الزنى، فتنتهك الأعراض، وتضيع الأنساب، وذلك شر عظيم، وفتح باب التعدد يمهد لكثرة النسل الذي تعتز به الأمة، وإن دينًا يحرم الزنى ويعاقب عليه أشد العقوبات جديرٌ به أن يفتح باب التعدد إطفاء للغريزة ودفعًا للشر، ورغبة في كثرة النسل وإشاعة الحلال.
كما أن المرأة قد تكون عقيمًا لا تلد أو تكون مصابة بما يمنعها من مزاولة الحياة الجنسية، ويرى الزوج أن من الوفاء لها ألا يتخلى عنها في محنتها، وألا يمنعها عطفه ومودته ورعايته، فلا ضير إذن أن يتزوج بأخرى، حتى لا يلجأ إلى سلوك آخر غير مشروع.
ولما كان عدد الرجال أقل -عادة من عدد النساء- وجب إباحة الزواج بأكثر من واحدة، حتى لا تصبح بعض النساء عرضة للفقر والاتجار بالأعراض.
ضوابط التعدد:
وإذا كان الإسلام قد أباح التعدد، فإنه قد وضع لذلك شروطًا وضوابط، منها: العدل بين الزوجات، والقدرة على الإنفاق، فمن العبث أن يتزوج الرجل بأكثر من واحدة وهو لا يقدر على الإنفاق إلا على واحدة، أما العدل في الحب والميل القلبي فليس بشرط في إباحة التعدد؛ لأن العدالة فيها منتفية، ولا يقدر عليها بشر، وفي هذا يقول الله تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل} [النساء: 129]. وكان النبي ( يحب عائشة أكثر من غيرها من زوجاته، فكان يعدل بينهن في القسمة ويقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما لا أملك) يعني القلب [أصحاب السنن].
وحينما يكون للتعدد مضار اجتماعية أو اقتصادية، فإن الشرع لا يبيحه، والشرع لم يحرم التعدد على إطلاقه كما تفعل النصرانية حاليًا، كما لا يسمح بالإسراف في عدد الزوجات كما هو الحال عند اليهود، بل جاء وسطًا بين التحريم والإباحة المطلقة، فقيده بالعدد، الذي تقتضيه مصلحة النسل، ويوافق استعداد الرجل.
والعجيب أن هؤلاء الذين يعيبون على الإسلام إباحة التعدد، والمحدد بأربع زوجات، يبيحون لأنفسهم مصاحبة النساء واتخاذ الخليلات (العشيقات)، دون التزام بأي حق من الحقوق، فالعلاقة بينهم علاقة جسدية شهوانية فقط، وليست علاقة أسرية كريمة، حتى نزلوا بالمرأة إلى مرتبة الحيوانية.
حرب داخلية:
ومثل هذه الشبهات التي تثار حول قضية تعدد الزوجات في الإسلام لا يرددها أعداء الإسلام فحسب، بل إننا نجد من أبناء المسلمين وبناتهم -ممن درسوا على أيدي أناس يحملون الحقد على الإسلام وأهله- من يحاربون تعدد الزوجات، ويرونه إهانة للمرأة وإنقاصًا من حقوقها وعبثًا بكرامتها، بل يطالبون بتقييد تعدد الزوجات في الوقت الذي تنادي فيه بعض التشريعات الأوربية بضرورة إباحة التعدد، كعلاج للمشكلات التي تفاقمت نتيجة تفشي الانحرافات الجنسية.
خصوصيات الأنبياء:
وقد خص الله -سبحانه وتعالى- الأنبياء بأمور دون غيرهم، حيث جعل مقام النبوة والرسالة فوق المقامات، وكان مما خص الله به رسوله ( أن أباح له الزواج بإثني عشرة زوجة هن أمهات المؤمنين؛ خديجة بنت خويلد، وسودة بنت زمعة، وعائشة بنت أبي بكر الصديق، وحفصة بنت عمر، وزينب بنت جحش الأسدية، وأم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية، وأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وجويرية بنت الحارث، وصفية بنت حيي، وزينب بن خزيمة -رضي الله عنهن أجمعين- هذا بالإضافة إلى مارية القبطية، وريحانة بنت زيد القرظية.
وقد حرص أعداء الإسلام -منذ القدم- على التشكيك في نبي الإسلام، والطعن في رسالته بسبب تعدد زوجاته؛ ليشككوا المؤمنين في دينهم ويبعدوا الناس عن الإيمان برسالته (، ولا عجب أن نسمع مثل هذا البهتان والافتراء والتضليل في حق الأنبياء والمرسلين، فتلك سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلا، وصدق الله إذ يقول: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا من المجرمين وكفى بربك هاديًا ونصيرًا} [الفرقان: 31].
ردود:
وللرد على هذا الافتراء نقول: إن النبي ( لم يعدد زوجاته إلا بعد بلوغه سن الشيخوخة، أي بعد أن جاوز الخمسين من عمره، كما أن جميع زوجاته ثيبات، ما عدا السيدة عائشة -رضي الله عنها-، فهي الوحيدة من بين نسائه التي تزوجها بكرًا.
والحِكَم من تعدد زوجات النبي ( كثيرة ومتشعبة، منها: تخريج معلمات للنساء يعلمْنَهن الأحكام الشرعية:
حيث فُرِض عليهن ما فرض على الرجال، وقد كانت الكثيرات منهن يستحيين من سؤال النبي ( عن بعض الأمور الشرعية.
كان النبي ( أشد حياء من العذراء في خدرها، فما كان يجيب عن كل سؤال يُعْرَض عليه من جهة النساء بالصراحة الكاملة، بل كان يكني في بعض الأحيان، ولربما لم تفهم المرأة مراده ( عن طريق الكناية.
فتروي السيدة عائشة -رضي الله عنها- أن امرأة من الأنصار سألت النبي ( عن غسلها من المحيض، فعلمها ( كيف تغتسل، ثم قال لها: (خذي فِرْصَة من مسك (أي قطعة من القطن بها أثر الطيب) فتطهَّري بها) قالت: كيف أتطهر؟ قال: (تطهَّري بها)، قالت: كيف؟ فقال لها: (سبحان الله تطهَّري) قالت السيدة عائشة: فاجتذبتها إليَّ، فقلت: (تتبعي بها أثر الدم) [البخاري].
وكان النساء يأتين إلى السيدة عائشة ويسألنها عن بعض أمور الدين، كما كان لزوجات النبي ( أكبر الفضل في نقل جميع أحواله وأفعاله داخل المنزل، واشتهرن بقوة الحفظ والنبوغ والذكاء، ولا سيما السيدة عائشة -رضي الله عنها-.
إبطال بعض العادات الجاهلية المستنكرة:
مثل عادة التبني، وعادة عدم زواج الرجل من زوجة ابنه المتبني بعد موته أو الطلاق منه، حيث زوج الله -تعالى- النبي ( من زينب بنت جحش الأسدية، التي عاشت مع زيد بن حارثة مدة من الزمن، ولكنها طلقت، فأمر الله رسوله أن يتزوجها ليبطل عادة التبني، قال تعالى: {فلما قضى زيد منها وطرًا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرًا وكان أمر الله مفعولاً} [الأحزاب: 37].
- ومن الناحية الاجتماعية:
تظهر حكمة تعدد زوجات النبي ( واضحة في زواجه بابنة الصدِّيق أبي بكر، ثم بابنة الفاروق عمر -رضي الله عنهما- ثم باتصاله بقريش اتصال مصاهرة ونسب، مما ربط بين هذه البطون والقبائل برباط وثيق، وجعل القلوب تلتف حوله، وتلتقي حول دعوته في إيمان وإكبار وإجلال.
ومن الناحية السياسية:
أيضًا تظهر حكمة التعدد، فقد تزوج النبــي ( ببعض النسوة من أجل تأليف القلوب حوله، فمن المعلوم أن الإنسان إذا تزوج من قبيلة أو عشيرة يصبح بينه وبينهم قرابة ومصاهرة؛ لذلك كان زواجه ( بالسيدة جويرية بنت الحارث بركة عليها وعلى قومها وعشيرتها، فكان ذلك سببًا في إسلامهم وعتقهم، وكذلك زواجه ( بالسيدة صفية بنت
حيي بن أخطب، والسيدة رملة بنت أبي سفيان -رضي الله عنهن أجمعين -.
تعدد مرفوض:
ويلاحظ في بعض المجتمعات لجوء الرجال إلى تعديد زوجاتهم، جريًّا وراء الشهوات وإثباتا -في ظنهم- لكمال الرجولة، دون حاجة إلى ذلك، غير مبالين بما يستتبع ذلك من انشغال بالنساء والأولاد، عن القيام بالواجبات العامة وحمل أعباء الأمة، كالدعوة إلى الله، وتحقيق مسئولية الخلافة في الأرض والنهوض بالجماعة المسلمة.
وهذه الظاهرة في حاجة إلى توجيه من العلماء ليعلموا رجال الأمة ونساءها دورهم في الحياة، ويوضحوا لهم حكمة الشرع في إباحة تعدد الزوجات، وأهمية نظرهم إلى المصلحة العامة في صورة متوازنة مع النظر إلى المصلحة الخاصة.
17:45

التعليم

التعليم
أول ما نزل من كتاب اللَّه هو الدعوة إلى القراءة. قال تعالى: {اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم} [العلق: 1-5]
وقد حث القرآن الكريم والهدي النبوي الشريف على العلم، فقال تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [الزمر: 9]. وقال: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر: 28]. وقال (: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) [ابن ماجه والطبراني]، وقال رسول اللَّه (: (إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم يهتدي بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة) [أحمد]. وقال (: (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين -حتى النملة في جحرها وحتى الحوت - ليصلون على معلِّم الناس الخير) [الترمذي].
أشهر المعلمين:
وقد اشتهر كثير من الصحابة بالعلم، كالخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر وغيرهم.
وكانت أزواج النبي ( المطهرات -ولاسيما عائشة رضي اللَّه عنها- معلمات عظيمات؛ نقلن إلى الأمة كثيرًا من الأحاديث النبوية، وأحكام الشريعة الإسلامية.
تعليم المرأة:
والعلم فرض على كل مسلم ومسلمة، فقد كان النساء في عهد النبي ( يتعلمن منه آيات اللَّه وما أنزل عليه من الأحكام، وقد جعل النبي ( لهن موعدًا يحضرن فيه لتلقي العلم مثلهن في ذلك مثل الرجال تمامًا. فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قالت النساء للنبي (: غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك، فوعدهن يومًا لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن [البخاري].
منزلة طالب العلم:
وقد كان الرسول ( يفرح إذا رأى أحدًا من الصحابة مهتمًا بالعلم، طالبًا له، فقد ورد عن صفوان بن عسال المرادي -رضي الله عنه- أنه رأى النبي ( وهو يبكي على برد له أحمر، فقال له: إني جئت أطلب العلم. فقال النبي (: (مرحبًا بطالب العلم، إن طالب العلم تحفه الملائكة بأجنحتها) [أحمد والطبراني].
ويستحب طلب العلم في الصغر، فقد ورد عن النبي ( قوله: (أيما ناشئ نشأ في طلب العلم والعبادة حتى يكبر، أعطاه الله -تعالى- يوم القيامة ثواب اثنين وسبعين صديقًا) [الطبراني].
ولم يقف أمر التعليم على الحرائر من النساء والرجال؛ بل نبه النبي ( إلى ثواب تعليم العبيد والإماء، حيث قال (: (أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها؛ فله أجران) [البخاري].
والإسلام يحث أتباعه -رجالا ونساءً- على التعلم، ففتح أمام الرجل كل أفاق العلم أن يسبح فيها، مادام هذا العلم نافعًا للإسلام والمجتمع، ولم ينس الإسلام للمرأة حظها من العلم، وإن كان يحثها على أن تتعلم ما هو أولى في حقها، كالطب لعلاج النساء، والتدريس لتعليم الفتيات، والتمريض لتمريض النساء والفتيات، فهذا أحرى، كي يعلِّم الرجل الشباب، والمرأة النساء، وكذلك الأمر في العلاج وغيره، درءًا للاختلاط، ومنعًا لانتشار الفساد في المجتمع.
ضوابط لتعليم المرأة:
وإن كان الإسلام أباح للمرأة أن تتعلم، فقد وضع لها العديد من الضوابط، ومن هذه الضوابط:
(1) تجنب الاختلاط الفاسد صونًا للأعراض وسدًّا لأبواب الفساد، ولتوفير الجو المناسب الذي يساعد على تحقيق الهدف المطلوب من تربية المرأة وتعليمها.
(2) عدم سفرها للتعلم دون محرم أو صحبة مأمونة من النساء، حفظًا لها وتأمينًا لسلامتها، قال ( : (لا يخلون رجل بامرأة، ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم) [البخاري].
(3) الاهتمام بتعليمها العلوم التي تفيدها أولا، فيجب التركيز في تعليم المرأة على ما يثبت عقيدتها، ويصحح عبادتها، ويزكي أخلاقها، ويتوافق مع فطرتها وأنوثتها، ويخدم حياتها، ويساعدها في تربية أبنائها ورعاية بيتها، وبالجملة تعلم كل ما يعود عليها بالمنفعة في مهمتها الأصلية، وطالما يفيد المجتمع المسلم.
(4) عدم تعلم ما يفسد عليها معيشتها وحياتها، ولا يتفق مع طبيعتها مثل الالتحاق بمعاهد السينما والتمثيل والمسرح.
نساء معلمات:
لقد أقبلت النساء في صدر الإسلام على التعلم والتفقه في أمور دينهم ودنياهم إقبالاً عظيمًا، ولنا في أمهات المؤمنين القدوة الحسنة، فقد كان ( ينيب السيدة عائشة في شرح المراد من حديثه لمن لا تعي ما يقوله ( مما في تصريحه به إحراج للسائلة، كذلك علَّم الرسول ( أسماء بنت عميس كيف تغسل المرأة الميتة، فغسلت فاطمة الزهراء -رضي الله عنها-، وعلم أم عطية الأنصارية كيف تُختن الفتيات.
واشتهرت زينب طبيبة بني عواد بالطب في الجاهلية والإسلام، وكانت فضلاً عن معالجتها الأبدان، تحسن طب العيون والجراحة، ولم يقتصر ظهور المتعلمات النابغات على الصدر الأول للإسلام، بل امتدت الرحلة العلمية عبر مختلف حلقات التاريخ الإسلامي تاركة لنا القدوة الحسنة والنهج السليم، والذي كان سبيلاً سلكته الكثيرات في العصر الحديث، ومن بينهن السيدة ملك حفني ناصف (باحثة البادية)، والتي أطلقت دعوتها بحق الفتاة في التعليم بما يوافق النظرة الإسلامية السليمة.
ومن الأفضل أن تخصص مناهج لتعليم المرأة خصوصًا ما ينفعها شخصيًّا وينفع أسرتها وأولادها مثل الخياطة والتطريز والخدمة الاجتماعية، ولعل أخطر ما يشهده تعليم المرأة هو التقليد الأعمى لكل أساليب ومناهج التعليم في الغرب الذي نتج عنه انحرافات في توجه المرأة نحو المجتمع وإهمالها لشؤون أسرتها وبيتها، ويترتب على ذلك العديد من الأخطار التي لابد من معرفتها والقضاء عليها.
(5) كما يجب ألا يكون التعليم -رغم أهميته- عائقًا أمام سير المسلمة في حياتها الطبيعية؛ كأن تؤخر سن الزواج بحجة إنهاء التعليم، أو أن تهمل المرأة في حقوق زوجها وأبنائها بحجة الحصول على المزيد من التعليم والشهادات.
ومن الأمور التي يجب أن تراعى في التعليم في بلاد الإسلام.
(6) عدم التقليد الأعمى للغرب، بل يتعلم الطلاب ما يوافق طبيعتهم وبيئتهم، مع محاولة رفع كفاءة المدرس والطالب، حتى يكون التعليم في بلاد الإسلام ذا مستوى أعلى؛ ليرجع على ما كان عليه في العصور الوسطى، يقود العالم كله إلى الخير والتقدم والحضارة، كما يستحب التشجيع من قبل الهيئات والمؤسسات للابتكار والتفوق بين الطلاب، وأن يكون تعليم الطالب وفقًا لما يحب ويرجو، حتى يستطيع خدمة دينه ووطنه.
15:51

معاملة الخدم

معاملة الخدم
 تجد الزوجة كثيرًا من السعادة وتحقيق الذات فيما تقوم به من أعمال منزلية، وحينما تسود المودة حياة الأسرة يقوم كل عضو فيها بأداء دوره، بل أدوار الآخرين، لكن قد تواجه الأسرة بعض الظروف التي تتطلب الاستعانة ببعض الأشخاص لخدمة البيت والقيام على متطلباته، كإعداد الطعام، وتنظيف الأثاث وتنظيمه، وقضاء حوائج الزوجة، أو الزوج، أو الأولاد.
صفات الخادم:
يشترط في الخادم الذي يقوم على شؤون البيت ومصالح الأسرة -سواء كان رجلاً أو امرأة- أن يكون من الأمناء الملتزمين بخلق الإسلام الكريم، وقد ورد ذكر الخدم في قوله تعالى: {أو التابعين غير أولي الأربة من الرجال} [النور :31]، هؤلاء يجوز للمرأة التخلي عن حجابها أمامهم، شريطة أن يكونوا من غير أولي الإربة (أي ليس لهم شهوة في النساء).
أما المرضع أو المربية فإن البيت المسلم لا يلجأ إلى الاستعانة بها إلا في حالات الحاجة كالمرض المعدي أو وفاة الأم، وفي إطار عدد من الضوابط كأن تكون المربية مؤمنة بالله ورسوله، ملتزمة بالكتاب والسنة، حسنة السيرة، طيبة الخلق، راجحة العقل، ماهرة بأمور الأطفال والأولاد.
معاملة الخدم:
وعلى أهل البيت أن يحسنوا معاملة الخدم، وأن يراعوا الله فيهم، فلا فرق مطلقًا بين خادم ومخدوم أمام الله تعالى، ولنا في رسول الله ( القدوة الحسنة، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: خدمتُ رسول الله ( تسع سنين فما أعلمُه قال لي قَطُّ: لم فعلت كذا أو كذا، ولا عاب على شيئًا قط. [مسلم].
ويحكي أنس موقفًا له مع رسول الله ( يقول كان النبي ( من أحسن الناس خلقًا، فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت: والله لا أذهب. وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله ( فخرجتُ حتى أمرَّ على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا الرسول ( قد قبض بقَفَاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك، وقال (: (يا أنيْس، أذهبتَ حيث أمرتُك ؟) قال أنس: قلت: نعم أنا أذهب يا رسول الله. [مسلم].
فعلى المخدوم حسن المعاملة للخدم والرفق بهم، ولا عيب ولا نقص في أن يعين المخدوم خادمه في بعض الأمور؛ لأن ذلك يلين القلب ويرقق النفس ويزرع المودة. وليكن المخدوم في ذلك وسطًا بين اللين والخشونة، فإن لان هان، وإن قسي كره، وإن تركهم يفعلون ما يريدون فسدوا.
بعض المظاهر السلبية:
للاستعانة بالخدم توجد بعض المظاهر السلبية، على المسلم أن يحذرها فمن ذلك:
- أن عمل الخادم أو ظروفه قد يستلزم التفرغ والمبيت في بيت مخدومه مما قد يقود إلى الفتن، ونشر الفساد، وخراب البيت وانهياره، بسبب سلوكيات الزوج أو الأبناء مع الخادمة أو الزوجة والبنات مع الخادم، وكثيًرا ما يتسرب الشك إلى نفس الزوجة ونفس الزوج، والشك أول معاول هدم الأسرة.
- أن المربية وهي تؤدي عملها قد تقوم بإرضاع من تقوم بتربيته، وفي هذا الأمر اختلاط للأنساب، وضياع للحقوق والواجبات، وعلى الأم أن تدرك ذلك، وتعلم شروطه وأحكامه.
- ظاهرة انتشار المربيين والمربيات من غير المسلمين الذين يفدون إلى الدول الإسلامية من الدول المجاورة سعيًا وراء الرزق، وفي هذا خطر جسيم؛ لأن تقاليدهم وعاداتهم لن تكون متفقة مع الإسلام فيما دعا إليه وحث عليه من قيم وفضائل سامية. فكيف نأمن على فلذات أكبادنا وأمل إسلامنا وهم في أيدي هؤلاء من غير المسلمين الذين يأخذون منهم كل كبيرة وصغيرة؟ ومن شب على شيء شاب عليه.
- أن بعض المربيين والمربيات الوافدين للعمل من الدول المجاورة قد يكونوا قد هربوا من ظروف سيئة، وقد يدخلون إلى الدول الإسلامية بطرق غير مشروعة فلا يخضعون لإجراء الكشف الطبي عليهم، فينقلن الأمراض والأوبئة إلى أطفالنا من خلال الاحتكاك المباشر بهم بصورة دائمة.
- أن بعض الوافدين والوافدت وفقًا لتقاليدهم المخالفة للمبادئ الإسلامية قد يكونون مصدرًا لنشر الفساد والفاحشة دون مراعاة لدين يُهْدَم، أو حق ينتهَكَ، أو قيمة يعُتدى عليها.
- إفشاء الخدم لأسرار البيت مما يؤدي إلى تدهور العلاقات الإنسانية وضياع العديد من القيم الاجتماعية والاحترام.
- ما يقوم به بعض الخدم من عادات مرذولة؛ كالسرقة والكذب والغش وتزوير الحقائق وإثارة الأحقاد والشكوك بين الأزواج والجيران.
فعلى المسلم أن يكون فطنًا عند اختيار من يقوم على شؤون بيته وكذلك المرأة، وعليهما أن يراعيا أمور دينهما فيما عليهما من واجبات وما لهما من حقوق؛ لضمان السعادة والاستقرار في البيت.
15:49

التعامل مع غير المسلمين

التعامل مع غير المسلمين
سؤال يحيرني: كيف أعامل جاري غير المسلم؟
هذا السؤال مصدر حيرة وقلق لكثير من المسلمين الذين يخشون على دينهم، ويريدون الوصول إلى قول فصل، حتى يكونوا على بينة من أمرهم، والإجابة ميسرة إلى حد بعيد، فكل ما على المسلم أن يفعله أن يرجع إلى كتاب ربه، وسنة نبيه (، وسيصل إلى بغيته في ذلك، فالإسلام هو الدين الوحيد الذي قدَّم لنا حلاًّ لتَعَايُش المسلم مع غيره من أصحاب الملل المختلفة، ومن تعليمات الإسلام وإرشاداته ما يأتي:
- البر بهم والإحسان إليهم:
يرشدنا الإسلام إلى أن الأصل في معاملة الناس جميعًا مسلمهم وكافرهم البر بهم، والإحسان إليهم، قال تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون} [الممتحنة: 8ذ-9].
فلم تُرَغِّب الآيات في العدل والإحسان إلى غير المسلمين فحسب، بل رغبت في البر إليهم أيضًا.
وإذا كان الإسلام لا ينهي عن البر والإقساط إلى المخالفين من أي دين ولو كانوا وثنيين أو مشركين، فإنه ينظر نظرة خاصة لأهل الكتاب من اليهود والنصارى، فقد قدَّم القرآن الكريم نموذجًا في أدب الحوار معهم فلا يناديهم إلا بقوله تعالى: يا أهل الكتاب، يا أيها الذين أوتوا الكتاب، وذلك إشارة إلى أنهم في الأصل أهل دين سماوي، وبينهم وبين المسلمين رحم وقربي، يتمثل في أصول الدين الواحد الذي بعث به الله -سبحانه وتعالى- أنبياءه جميعًا قال تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} [الشورى: 13].
وقد مات ( ودرعه مرهونة عند يهودي في نفقة عياله. ودخل وفد نجران على النبي ( مسجده بعد العصر، فكانت صلاتهم، فقاموا يصلون في مسجده، فأراد الناس منعهم، فقال (: (دعوهم)! فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم.
وقد أوصي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو على فراش الموت الخليفة من بعده بأهل الذمة خيرًا، وأن يفي بعهدهم، ولا يكلفهم فوق طاقتهم. والذمة معناها العهد، الذي يشمل عنصري التأمين والحماية، وهذا سبق وريادة يُعرف في عصرنا بالحقوق المدنية والجنسية.
الإيمان بجميع الرسل:
جعل الإسلام من بين أركان عقيدته الإيمان بكتب الله قاطبة، ورسله جميعًا، ومن ينكر ذلك يدخل في دائرة الكفر، قال تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} [البقرة: 136].
مؤاكلتهم ومصاهرتهم:
أباح الإسلام مؤاكلة أهل الكتاب وتناول ذبائحهم ومصاهرتهم، والتزوج من نسائهم في الحدود الشرعية المسموحة، قال تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} [المائدة: 5].
- التدفق في الحديث معهم:
حث الإسلام على الترفق في الحديث معهم، ومجادلتهم بالتي هي أحسن؛ لأن في ذلك نزعًا للأحقاد، وتنقية للنفوس مما يعلق بها من حقد، قال تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون} [العنكبوت: 46].
- توفير الحياة الآمنة:
كذلك حث الإسلام على توفير الحياة الآمنة، كما حث على الصدق في التعامل والعدل والسلام مع غير المسلمين، وقال (: (من آذى ذميًّا فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة) [الخطيب]، وقال: (من ظلم معاهدًا، أو انتقص حقًّا، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة) [أبو داود].
- الإهداء لهم:
وأجاز الإسلام للمسلم أن يهْدي الهدايا إلى غير المسلمين، وأن يقبل منهم الهدية ويجازيه عليها، فقد ثبت أن النبي ( أهدى إليه الملوك، فقبل منهم، وكانوا غير مسلمين، فعن أم سلمة -أم المؤمنين- رضي الله عنها-، أن النبي ( قال لها: (إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي من مسك) [أحمد].
ويجب على المسلم أن يكون تعامله مع غير المسلم في حدود التأثير فيه لا التأثر به، فكل له عاداته وتقاليده، فلا يجوز للمسلم التشبه بغير المسلم فيما يخالف مبادئ الإسلام، كأن يتشبه بهم في ملابسهم، أو يقدم مشروبًا محرمًا لضيوفه، أو طعامًا غير حلال للمسلمين، أو ما شابه ذلك.
هذه هي مبادئ الإسلام الخالدة وقيمه السامية التي تتعامل مع الإنسان وتحترمه، فقد كان سهل بن ضيف، وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية، فمرَّ الناس عليهما بجنازة فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض -أي من أهل الذمة- فقالا: إن النبي ( مرت به جنازة فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: (أليست نفسًا) [البخاري].
15:48

القروض

 القروض

قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب} [المائدة: 2].
وقال ( : (من نفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر؛ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه) [مسلم].
جاء الإسلام بشريعته السمحاء داعيًا الناس إلى الخير والتعاون في كل الأوقات. والقروض من صور المعاملات التي تناولها الإسلام ووضع لها من المبادئ ما يكفل حمايتها وصيانتها.
ما هو القرض؟:
القرض هو دفع المال على وجه القربة لله تعالى لينتفع به آخذه ثم يرد له مثله أو عينه.
ويمكن أن يتم القرض على مستويين:
أولاً: على مستوى الأفراد:
حث الإسلام على التعاون بين الأفراد، ومن صور هذا التعاون القروض، لما فيها من النفع للمقترض وقضاء حاجته وتفريج كربته.
ووضع الإسلام عددًا من الضوابط التي تحكم هذا التعامل، ومنها:
1- ضوابط في جانب المقرض، وهي:
- الإقراض مندوب إليه إذا كان المقترض مضطرًا للمال.
- إن علم المقرض أو غلب على ظنه أن المقترض ينفق ذلك القرض في معصية أو مكروه كان الإقراض حرامًا أو مكروهًا على حسب الحال.
- لو اقترض تاجر لا لحاجة، بل ليزيد في تجارته طمعًا في الربح الذي يحصل من ذلك كان إقراضه مباحًا.
2- ضوابط في جانب المقترض، وهي:
الاقتراض مباح له، وذلك إذا علم في نفسه الوفاء بأن كان له مال مرتجى، وعزم على الوفاء بالقرض منه، وإذا كان الأمر غير ذلك فلا يجوز له الاقتراض، ويعتبر نوعًا من الغش؛ لأنه أخفى حاله عن مقرضه ما لم يكن مضطرًا أو كان المقرض عالمًا بعدم قدرته على الوفاء وقام بإقراضه. ومن الأحاديث التي وردت في هذا الجانب:
قول الرسول (: (من أخذ أموال الناس يريد إتلافها؛ أتلفه الله) [البخاري].
وقال ( : (من أدان دينًا وهو ينوي أن يؤديه فمات، أداه الله عنه يوم القيامة، ومن استدان دينًا وهو ينوي ألا يؤديه فمات، قال الله -عز وجل- له يوم القيامة: ظننت أني لا آخذ لعبدي بحقه! فيؤخذ من حسناته فتجعل في حسنات الآخر، فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات الآخر فتجعل عليه) [الطبراني].
ثانيًا: على مستوى الدول:
لكل دولة ميزانية لها جانبان: الإيرادات، والمصروفات، فإذا حدث عجز في الميزانية أي أصبحت المصروفات أكبر من الإيرادات تلجأ الدولة إلى العديد من الموارد التي لا تضرُّ بالاقتصاد العام، ومن هذه الوسائل الاقتراض من الخارج مع التعهد بسدادها، وما يترتب عليها من فوائد وفق شروط محددة.
وهناك عدة حالات تفرض على الدولة الاقتراض من الخارج رغم ما قد يترتب على ذلك من أخطار وأضرار، وهي:
1- تغطية نفقات غير عادية كما في حالة الحروب أو الكوارث أو الأوبئة.
2- تنفيذ المشروعات الإنتاجية الكبيرة مثل التعجيل بالتصنيع، وإدخال الصناعات الثقيلة دفعة واحدة، ولكن إيراداتها في سنة واحدة لا تتحمل القيام بها.
3- عند قيام الدولة بالتنمية الشاملة، ولكنها لا تجد من الجمهور الإدراك الكافي لتوجيه مدخراته واستخدامها في نواحي غير مفيدة اقتصاديا بالنسبة للمجموع.
4- فترات عدم تحقق واكتمال إيرادات الدولة، وهي الفترات التي تسبق مواعيد تنفيذ المشروعات لإعادة توزيع مدخرات الجمهور على نواحي الاقتصاد المختلفة.
ويتم التمييز بين القروض على أساس عدة معايير:
أولاً: مصدر القروض:
1- داخلية: أي من الهيئات والمؤسسات والبنوك التي تعمل داخل الدولة وفي نطاقها، وتكون بعملة الدولة، وأحيانًا تكون بعملات أجنبية.
2- خارجية: أي المؤسسات أو الهيئات أو البنوك التي توجد خارج الدولة وداخل دول أخرى، أو تتبع منظمات دولية، وهذه تكون بعملة أجنبية.
ثانيًا: من حيث فترة سدادها:
1- محددة الأجل:
وهي التي تكون الدولة ملزمة بسدادها بعد مرور فترة محددة (قصيرة، متوسطة، طويلة).
2- غير محددة:
وتسمى (القروض المؤبدة) وهي القروض التي يترك للدولة تحديد وقت سدادها.
ثالثًا: من حيث إرادة المقرض:
1- اختيارية:
تتم بمحض إرادة المقرض وبعد اقتناعه الذاتي بفوائد هذا الاقتراض.
2- إجبارية:
وتتم رغمًا عن المقرض تحت ضغط ظروف معينة سياسية كانت أو اقتصادية.
ومن مؤسسات الإقراض العام الخارجي البنك الدولي للإنشاء والتعمير، وصندوق النقد الدولي، والهيئة الدولية للتنمية.
وهذه المؤسسات تسيطر عليها الآن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية؛ نظرًا لما لهذه الدول من حصص كبيرة من رأس مال هذه المؤسسات، فيوجه سياستها الاقتصادية الدول المسيطرة عليها.
لكن إذا كانت أنواع القروض العامة عديدة، فإنها خطيرة إذا تم توجيهها لسد حاجات وقتية استهلاكية أو ترفيهية فتكون القروض وبالاً على الأجيال القادمة، أما إذا كان الاقتراض لتأسيس البنية الأساسية والبعد عن الإنفاق الاستهلاكي، فهنا يكون للقروض آثار إيجابية تنفع الدولة لأزمان بعيدة.
- عندما يكون الدين داخليًّا، فإن الأفراد يفقدون الثقة في سيادة الدولة فيتهربون من معظم التزاماتهم تجاه دولتهم.
- وعندما يكون الدين خارجيًّا، فإن عدم وفاء الدولة بالتزاماتها يؤدي إلى العديد من الأخطار منها التبعية الاقتصادية والسياسية وأخطر صورها السيطرة العسكرية.
هل أقرض الآخرين؟
أباح الإسلام القروض على مستوى العلاقات الاجتماعية بل حث عليها، وعدد مزاياها مقارنة بالصدقة التطوعية، عن أنس بن مالك أن الرسول ( قال: (قرض الشيء خير من صدقته) [البيهقي].
عن أنس بن مالك -أيضًا- أن الرسول ( قال: (رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوبًا: الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر. فقلت: يا جبريل، ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل يسأل وعنده. والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة) [ابن ماجه].
نصائح وإرشادات:
حدد الإسلام مجموعة من الضوابط حول القروض العامة منها:
1- تجنب الأمور الربوية كالفائدة المحددة وأمثالها، فقد حرم الإسلام الربا، القليل منه والكثير، وما كان منه بين الأفراد أو بين الدول، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}
[البقرة: 278-279].
فإن اضطر المسلم أن يقترض بربا، فيباح له ذلك على شرط:
أن لا يأخذه طيبة به نفسه، بل يفعله وهو له كاره، وعلى من دفعوه إلى ذلك ناقم ساخط حتى يحدث له الله من ضيقه مخرجًا، وأن يأخذ ما يفي بحاجته ويرفع عنه حالة الضرورة، ولا يحل له الاقتراض بما يزيد عن ضرورته.
2- القدرة على السداد عند حلول أجلها.
3- الاستخدام الأمثل والتوجيه الصحيح للقروض حتى تحقق النفع العام.
4- عدم اللجوء إلى القروض إلا في حالة عجز الموارد الرئيسية، ولا يتم اللجوء للقرض الخارجي إلا عند العجز الداخلي.
5- عدم ربط السداد بأصول الدولة أو ثرواتها حتى لا تقع في أسر المقرض وتحت سيطرته.
6- تجنب الغبن والتدليس عند الإقراض والاقتراض.
7- البحث عن أفضل الوسائل لتحقيق التكافل بين المسلمين، ففي ذلك خير بديل عن الاقتراض، وتجنب أضراره وأخطاره.
ولابد لنا أن نعرف أن الإسلام بتشريعاته التي فرضت الزكاة وسنت الصدقات والكفارات، وأباحت القروض الحسنة بين المسلمين، لم تغفل الجانب النفسي الذي يعانيه المدين المقترض، فالدين هم بالليل، ومذلة بالنهار، وكان رسولنا ( يستعيذ منه قائلاً: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن وضلع الدين، وغلبة الرجل) [متفق عليه].
وقوله (: (اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم (والمغرم هو الدين) قيل: إنك تستعيذ من المغرم كثيرًا يا رسول الله. فقال: (إن الرجل إذا غرم (إذا استدان) حدث فكذب، ووعد فأخلف) [متفق عليه].
فإن كان الدين مباحًا إلا أنه يحسن بالمسلم أن لا يستدين أو يقترض إلا لضرورة لابد له منها حتى تسلم له نفسه.
15:45

التعامل مع البنوك

التعامل مع البنوك
في مدينة من مدن الشمال الإيطالي كان يجلس الصياغ والصرافون ليبيعوا العملات للأفراد، ويشتروا منهم، وكانوا يجلسون على منضدة من الخشب يطلقون عليها (بانكو) وذلك أثناء ازدهار النشاط التجاري في أواخر القرون الوسطي نتيجة الاتصال بدول الشرق الإسلامي، والذي كان سببه كثرة العملات وتعددها.
واتسع نطاق هذا التبادل المالي عن طريق تأسيس الأماكن الخاصة التي يمارس من خلالها، وهنا تحرفت كلمة (بانكو) حتى وصلت إلى المتعارف عليه الآن (البنك).
والبنك: هو مؤسسة مالية يمكن تعريفها بالنظر إلى وظائفها، فهي وسيط مالي بين المقرضين والمقترضين ويخلق الائتمان أو ما يطلق عليه القروض مع القيام بما يرتبط بهذه الأمور من خدمات وعلى أساس هذا التعدد في الوظائف نجد تعددًا في أنواع البنوك على النحو التالي:
أولاً: البنوك التجارية:
وهي مؤسسات مالية يقتصر دورها على تلقي ودائع الأفراد والتي تقبل السحب عند طلبها مباشرة، أو بعد أجل قصير (فترة بسيطة).
وهذه البنوك أسبق في نشأتها من بقية الأنواع الأخرى للبنوك.
مهمة البنوك التجارية:
من الوظائف التي تقوم بها:
1- قبول الودائع من الأفراد، والوديعة هي المبلغ من المال الذي يودع عند شخص ويسترد منه بعد ذلك.
2- تقديم القروض للعملاء.
3- الحصول على الكمبيالات والأوراق التجارية المشابهة لها قبل حلول موعد استحقاق دفعها لتقوم بتحصيلها من المستحق عليهم مقابل نسبة من قيمتها.
4- تأجير خزائن الأمانات للعملاء.
5- استبدال وتحويل العملات في الداخل والخارج.
6- القيام بأعمال الوكالة في تحصيل مستحقات العملاء من قِبَل الغير.
7- استثمار مدخرات العملاء.
8- التعامل في سوق الأوراق المالية: الأسهم - السندات - صكوك التمويل.
ثانيًا: البنوك المركزية:
وهي المرحلة الثانية من تطور البنوك التجارية، فمع اتَّساع نشاط أحد هذه البنوك، وتزايد الثقة فيه، فإن الدولة تتخذه أداة للسيطرة على بقية البنوك ومتحدث باسمها بشرط تنسيق أعماله، وما يتفق مع السياسة الاقتصادية.
مهمة البنوك المركزية:
من أهم وظائف البنك المركزي:
1- إصدار النقود الرئيسية.
2- التحكم في عرض القروض التي تقدمها البنوك الأخرى.
3- يقوم بالإشراف على البنوك الأخرى، فهو المُقرض الأخير لها.
4- يعتبر بنك الحكومة ومستشارها في الأمور المالية.
ويعتبر بنك (ريكس) في السويد هو أقدم البنوك المركزية في العالم حيث تأسس عام 1656م، وأعيد تنظيمه كبنك للدولة والقائم على إصدار النقود في 1668م.
ثالثًا: البنوك المتخصصة:
وهي مؤسسات ينشئها أفراد أو جماعات أو حكومات لخدمة قطاع معين من قطاعات الإنتاج، سواءً كان زراعيًّا أو صناعيًّا أو عقاريًّا يتخصص في البنك.
أما عن دور الحكومة فهو التوجيه لمؤسسات الأفراد والجماعات بما يخدم الاقتصاد القومي، وأحيانًا تقوم الحكومة بإنشاء هذه البنوك من أجل تنمية قطاعات الاستثمار والإنتاج.
طبيعة التعامل:
ولكن مع اعتبار هذه البنوك من مظاهر الحضارة المعاصرة والثورة العلمية، فإن القوانين التي تحكمها هي نفس القوانين التي كانت سائدة في الجاهلية من حصول على فائدة ونسبة من المال عند الإقراض والاقتراض وهذا هو الربا الذي حرمه الإسلام ووضع الأسس والمبادئ التي تقضي عليه.
البنك الإسلامي:
ولقد ظهرت بعد ذلك البنوك الإسلامية وهي: مؤسسات مصرفية لتجميع الأموال وتوظيفها في نطاق الشريعة الإسلامية، بما يخدم بناء المجتمع على أساس من التكافل الإسلامي وعدالة التوزيع، ووضع المال في الإطار الذي رسمه الإسلام.
وتتعدد صور الشركات والمؤسسات التي تناسب نشاط ووظائف البنك الإسلامي ومن ذلك:
1- الشركة المساهمة: وهي شركة تجارية يشترك في ملكية رأسمالها عدد كبير أو صغير من الأفراد يبتغون من وراء ذلك الربح الذي يوزع عليهم في نهاية العام.
2- الشركات التعاونية: وهذه تحقق ميزتين؛ أن المتعامل معها هو المشترك نفسه برأسماله فيها، وهذا يمنع التضارب في المصالح إلى جانب أن التصويت في الجمعية العمومية يكون بالتساوي أيًا كان حجم مساهمات الأعضاء.
3- المؤسسة التنموية: وهي المؤسسة التي تقوم بها بعض الحكومات بهدف الإسهام في دعم اقتصاديات البلاد وتنميتها، ويتم تقديم القروض بفائدة رمزية لا تمثل إلا المصاريف الضرورية التي يحتاجها استمرار عمل المؤسسة وسد حاجات العاملين فيها.
ووضعت الشريعة الإسلامية الضوابط التي تحكم عمل هذه الصور، وفي هذا خير دليل على مدى مرونة وحيوية الإسلام وصلاحيته للتطبيق في كل زمان ومكان، وهذا يحتاج من الفقهاء والمجتهدين أن يستخرجوا الأحكام القرآنية الصحيحة، ويخلصوا في أقوالهم حفاظًا على شريعتنا من الأخطار والتحديات التي تواجهها.
15:44

الحرية

الحرية 
رحم الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حينما قال لعمرو بن العاص -رضي الله عنه- وهو وإلى مصر: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟!).
وذلك عندما ضرب ابنٌ لعمرو بن العاص غلامًا من مصر، ولم يقتص عمرو من ولده، فبعث عمر بن الخطاب -لما علم بذلك- إلى عمرو بن العاص أن يضرب ابنه.
وكثيرًا ما نسمع إنسانًا يقول حينما نريد أن ننبهه إلى خطأ ما قد ارتكبه: (أنا... حر).
فنقول له: إنه ليس من حق الإنسان أن يقول إنني حر ثم يخطئ في غيره ويضربه؛ فقد قال (: (لا ضرر ولا ضرار) [ابن ماجه ومالك].
ويشير هذا الحديث إلى ضرورة فهم المعنى الصحيح للحرية، فهي لا تعني أن يفعل الإنسان ما يحلو له وما تشير إليه نفسه دون النظر إلى نتيجة هذا الأمر على نفسه أولاً ثم على غيره بعد ذلك.
والإسلام لم ينكر الحريات والحقوق، بل صانها وأكد عليها، فالحرية في الإسلام مشروعة بضوابط الأمر والنهي (افعل ولا تفعل). فالإسلام أعطانا جوانب كبيرة من الحرية، وأمرنا أن نمارس الحرية في إطار ضوابطها الشرعية التي حددها
الله -سبحانه-.
فمثلاً أباح الإسلام التزين للمرأة ولكن بحدود معينة وضوابط محكومة، فإذا خرجت عن هذه الضوابط بزعم الحرية فقد أضرت بنفسها لأنها قد عصت الله تعالى وخالفت أوامره، وأضرت بمن حولها من الشباب الذين قد يفتنون بما يرونه من مظاهر التبرج. وقد كفل الإسلام الحرية السياسية للأفراد والجماعات، فليس في الإسلام كبت للرأي، أو قيد على حرية، فمن حق الشعب أن يحاسب حكامه على التقصير، ويجب على الحاكم أن يشاور شعبه في أمور بلدهم.
ولنا في رسول الله ( الأسوة والقدوة الحسنة في ذلك؛ فكان الرسول ( يشاور أصحابه في الأمور كلها، وكذلك فعل خلفاؤه الراشدون، فقال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- في يوم توليه الخلافة: (إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني). وكذلك فعل عمر بن الخطاب وعثمان وعلي
-رضي الله عنهم-.
وإذا نظرنا إلى المجتمعات الغربية، نجد أهلها يفهمون معنى الحرية فهمًا غريبًا وعجيبًا؛ فعندهم أنه من حق الإنسان أن يفعل ما يراه صحيحًا من وجهة نظره، ما دام لا يخرج على القانون، ومن المعروف أنهم هم واضعوا هذه القوانين؛ لتتوافق مع رغباتهم وأهوائهم، وهي قوانين غير محكومة بضوابط أو محدودة بحدود.
وبعض هذه القوانين قد أباحت بعض التصرفات غير الأخلاقية، بل إن القانون هو الذي يحميها ويحرسها، فالقانون عندهم يبيح لعب القمار وشرب الخمر والتعامل بالربا وممارسة الزنا وممارسة الشذوذ، وهناك قوانين لبعض الدول تعطي الحق للفتى والفتاة بعد سن البلوغ حرية الاستقلال عن أسرهم، وبلغ الأمر في بعض المجتمعات أن هناك جمعيات موجودة تقدم الإرشادات لأولئك الذين يرغبون في الانتحار والتخلص من حياتهم!! وتبين لهم أفضل وسائل الانتحار!! كل ذلك بحجة أن هذه حريات شخصية، لا ينبغي المساس بها أو منعها!!
أما في الإسلام، فليس من حق المسلم أن ينهي حياته بنفسه وينتحر، فالانتحار جريمة يحاسب عليها المرء يوم القيامة، وشرب الخمر، والزنا، ولعب القمار والربا جرائم يحرمها الإسلام. ويجب على كل مسلم أن يوقن أن الله -عز وجل- ما حرم شيئًا إلا وفيه ضرر عظيم للإنسان، وما أحل شيئًا إلا وفيه الخير له.
ومن عظمة الإسلام وحكمته أن من يخالف أوامر الله وتعالىم الإسلام ويتعدى الحدود المقررة، جعل الله له عقوبتين، فإذا أفلت من واحدة لن يفلت من الأخرى فالذي يسرق أو يزني أو يشرب الخمر -مثلاً- يُقام عليه الحد أمام أعين الناس؛ حتى يعتبروا به، وبذلك تنتظم شئون الناس فيما بينهم، وهذه عقوبة دنيوية.
أما العقوبة الأخروية فهي التي يذوقها الإنسان يوم القيامة، فالذي ينتحر -على سبيل المثال- قد أفلت من عقاب الدنيا، ولكنه سوف يحاسب حسابًا عسيرًا يوم القيامة على جرمه الكبير في تدخله في قدر الله -عز شأنه-
11:16

الزواج

الزواج
الزواج سنة من سنن الأنبياء، وضرورة من ضروريات الحياة، به تصان الأعراض وتحفظ الحرمات، ويقضى الإنسان شهوته، وهو وسيلة لحفظ النسل وبقاء الجنس البشرى واستمرار الحياة. كما أنه يُسهم في تقوية أواصر المحبة والتعاون من خلال المصاهرة أو النسب، فتتسع دائرة الأقارب ، ومن هنا دعا الإسلام إلى الزواج ورغَّب فيه، قال تعالى:{ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}[الروم: 21]. وقال صلي الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومَنْ لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء (وقاية) [متفق عليه].
والزواج واجبٌ على كل مسلم إن كان قادرًا على القيام بأعبائه، وكان ممن يخاف على نفسه الوقوع في الفاحشة، ومن كان لا يستطيع الزواج لعدم القدرة المادية فليكثر من الصيام فيحفظه ويقيه من الانحراف.
وإن كان لديه القدرة على أعباء الزواج، ولكنه لا يخاف على نفسه الوقوع في الفاحشة كان الزواج في حقه مستحبًا.
صفات المرأة المخطوبة:
1- ذات الدين: على المسلم إذا أراد الزواج أن يحسن اختيار الزوجة، فيختار صاحبة الدين، الصالحة، المطيعة؛ لقول الرسول صلي الله عليه وسلم: (تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها. فاظفر بذات الدين تربت يداك) [متفق عليه]. وسئل النبي صلي الله عليه وسلم عن أي النساء خير للرجل؟ قال: (التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره ) [النسائي].
وقال أيضًا: (الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة) [مسلم والنسائي وابن ماجة]. وهذا لا يمنع أن يختار الرجل من بين الصالحات الجميلة أو الغنية أو صاحبة الحسب، وإنما يكون الدين هو الميزان الأول والسابق لأي معيار آخر.
2- الولود: وللرجل كذلك أن يختار المرأة الولود، ويعرف ذلك بسلامة بدنها وبمقارنتها بأخواتها وعماتها وخالاتها، قال صلي الله عليه وسلم: (تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) [أبو داود والنسائي].
3- البكر: كما يستحب أن تكون الزوجة بكرًا لقوله صلي الله عليه وسلم لجابر -رضى الله عنه-: (فهلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك) [متفق عليه].
4- أن تكون أجنبية: لأن ذلك أدعى للألفة والعشرة أكثر من القريبة، لما ذلك من فوائد، منها:
أ - الحفاظ على صلة الرحم وعدم قطعها، لأنه في الغالب ما تحدث خلافات بين الزوجين، فلا يفضي إلا إلى قطع الرحم.
ب- ليكون الولد أقوى؛ لأنه غالبًا ما يكون المولود من القريبة ضعيف الجسد. ولكن زواج الأقارب ليس فيه أية شبهة.
5- أن يكون بها نسبة من الجمال: لتسكن به نفسه، ويغض به بصره، ولتكمل المودة بين الزوجين؛ إن نظر إليها سرته. والجمال نسبي، يختلف من شخص لآخر.
وكما أن من حق الزوج أن يختار زوجته، فإن على الزوجة أن تختار لها صاحب الدين والخلق والقدرة على تحمل أعباء الزواج، الذي يصون عرضها ويحسن معاشرتها، قال صلي الله عليه وسلم: (إذا جاءكم مَنْ ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد) [الترمذي وابن ماجة].
الخطبة:
وهى طلبٌ للزواج ووعدٌ به في المستقبل، فيتقدم الرجل فيطلب من المرأة أو من ولىِّ أمرها أن تكون زوجة له، كما يجوز لولى أمر الفتاة أن يعرض على الرجل الذي يراه كفئًا للزواج، أن يتزوج من ابنته، فقد ورد أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين مات زوج ابنته حفصة قال: أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج. فقال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر. فصمت أبو بكر فلم يرجع إلىَّ شيئًا، وكنت أوجد (أغضب) عليه منى على عثمان، فلبثت ليالي، ثم خطبها رسول الله صلي الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علىَّ حين عرضت علىَّ حفصة فلم أرجع إليك شيئًا؟ قال عمر: نعم. قال أبو بكر: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علىّ إلا أنى كنت علمت أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشى سر رسول الله صلي الله عليه وسلم ، ولو تركها رسول الله صلي الله عليه وسلم قبلتها) [البخاري والنسائي].
وقد أباح الإسلام لمن أراد الخطبة أن ينظر إلى مَنْ أراد خطبتها فينظر إلى وجهها وكفَّيْها، لأن ذلك أدعى لحصول الألفة والمودة بينهما، قال صلي الله عليه وسلم: (إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل) [أبو داود والترمذي وأحمد]. وقال صلي الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة عندما خطب امرأة: أنظرت إليها؟ قال المغيرة: لا. فقال النبي صلي الله عليه وسلم: (انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) [الترمذي وابن ماجة].
ويجوز للخاطب أن يرسل إلى المرأة التي يريد خطبتها امرأة يثق بها تنظر إليها ثم تعود إليه فتصفها له، فقد ورد أن النبي صلي الله عليه وسلم أرسل أم سليم تنظر إلى جارية فقال: (انظري إلى عرقوبها (أسفل ساقيها مع القدم) وشُمِّى عوارضها (فمها) [أحمد والطبراني والبيهقي].
وكما يجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة التي يريد خطبتها، فإنه يجوز للمرأة أيضًا أن تنظر إلى الرجل المتقدم لخطبتها، حتى تحصل الألفة بين كل منهما ، فيرتاح إلى الآخر.
ويجوز للخاطب والمخطوبة أن يجلسا معًا في وجود مَحْرَم، فإن لم يُوجد المحْرم فلا يحل لهما الجلوس معًا. قال صلي الله عليه وسلم: (لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا مع ذي محْرم) [متفق عليه].
ولا يحلّ لأحدهما إن جلسا معًا في وجود محْرم أن يلمس أحدهما الآخر، كما لا يجوز للمخطوبة أن تظهر لخطيبها شيئًا من جسدها، لأنها أجنبية عنه ، فالخطبة مجرد وعد بالزواج فقط ، والمخطوبة أجنبية عن خطيبها حتى يتم العقد.
وعلى الرجل أن يتخيَّر الأوقات التي يتقدم فيها لخطبة المرأة، فلا يتقدم لخطبة المطلقة وقت عدتها، أو من مات زوجها قبل انتهاء عدتها، ويجوز له التعريض بالخطبة لمن مات زوجها، أما التي طلَّقها زوجها طلاقًا رجعيّا فيحرم عليه التقدم للخطبة لا بالتعريض ولا بالتصريح؛ لأنها مازالت في عصمته ، وله الحق أن يراجعها، فإن كان الطلاق بائنًا جاز التعريض فقط عند جمهور الفقهاء؛ لأن العلاقة بينها وبين زوجها قد انتهت.
وإذا علم الرجل أن شخصًا ما سبق إلى خطبة هذه المرأة فلا يحل له أن يتقدم هو الآخر لخطبة المرأة نفسها إلا إذا علم بانتهاء الخطبة، فعندئذٍ يجوز له أن يتقدم، وقد نهى النبي صلي الله عليه وسلم أن يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له. [رواه الجماعة] ، إلا إذا كان الرجل قد تقدَّم ولم يردَّ عليه أهلها ، وإن خطبها على خطبة أخيه، صحَّت الخطبة ، وأثم لانتهاكه حقوق غيره.
وعلى الولي أن يسأل عن حال منْ تقدم لخطبة ابنته، فيسأل عنه بين أهله، أو في مكان عمله، أو بين أصدقائه.
ولابد من رضا المرأة وإذنها لقوله صلي الله عليه وسلم: (لا تنكح الأيم حتى تُستأمر ، ولا البكر حتى تُستأذن). قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: (أن تسكت) [رواه الجماعة].
الآثار المترتبة على فسخ الخطبة:
يجوز لكل من الخاطب والمخطوبة العدول عن الخطبة أو فسخها إذا وُجدت ضرورة لذلك . فإذا وُجدت الضرورة كان التعجيل بالفسخ أفضل.
فإذا تمّ الفسخ تُردّ هدايا الخاطب التي لم تهلك إليه إذا كان الفسخ من جانب المخطوبة، وقيل: لا تُردّ لأنها في حكم الهبة ولا يجوز للواهب أن يرجع في هبته.
وإذا ترتب على فسخ الخطبة ضرر ، وكان العادل عنها هو السبب في هذا الضرر، وجب عليه التعويض، كأن يشترط الخاطب أن تترك خطيبته عملها فوافقت، ثم فسخ هو الخطوبة، فعليه في هذه الحالة تعويضها عن هذا الضرر.
تأثيث البيت: تأثيث البيت من واجبات الرجل، والأثاث ملك له مادام قد جهَّزه بماله، ودفع للعروس مهرها، فإن اتفق مع أهل العروس على أن يدفع مهرًا معينًا ويقومون هم بتأثيث بيت الزوجية جاز ذلك، ولكن يصبح الأثاث ملكًا للزوجة ، فإن اشترك الزوج والزوجة في تأثيث البيت فالأثاث لهما بالمشاركة، وإن لم يدفع الرجل مهرًا على أن يقوم بتأثيث بيت الزوجية أصبح الأثاث ملكًا للزوجة وعوضًا عن المهر.
شروط الزواج: يشترط لصحة الزواج ما يلي:
1- إذن ولى المرأة: وهو والدها أو أخوها أو قريبها من ناحية الأب في حالة عدم وجود أب أو أخ ، أو من تختاره المرأة -في حالة عدم وجود هؤلاء- وترى أنه يحرص على سعادتها ومصلحتها. ويرى جمهور الفقهاء أنه لا يجوز للمرأة أن تزوِّج نفسها بدون إذن وليها، قال صلي الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولى) [أبو داود]. وقال صلي الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل) [أبو داود والترمذي وأحمد].
ويشترط في الولى أن يكون رجلا بالغًا عاقلا مسلمًا فلا يكون أنثى ولا صبيًا صغيرًا ولا مجنونًا ولا مشركًا.
2- أن يكون الزوج مسلمًا: وألا تكون الزوجة مُحَرَّمة على الرجل، كأن تكون إحدى المحارم، أو تكون غير مسلمة أو كتابية.
3- رضا الرجل والمرأة: فإن أكره أحدهما فلا يصح الزواج.
4- الإشهاد على الزواج: ويكون برجلين مسلمين عاقلين بالغين حُرّين عَدْلَين ممّن يعرفان بالأمانة والصدق لقول الرسول صلي الله عليه وسلم: (لانكاح إلا بولى وشاهدى عدل) [ابن حبان والدارقطنى].
ويشترط سماع الشهود وكلام العاقدين وفهم المراد منه وهو الزواج، ولذا لا ينعقد النكاح بشهادة نائمين أو أصمين وكذلك لا تصح شهادة السكران.
5- أن يكون العقد مؤبدًا: فلا يُحدد بفترة زمنية معينة ، كأن يتزوج الرجل المرأة لمدة عام مثلا، وهو ما يعرف بزواج المتعة، وهو حرامٌ .
6- تعيين الزوجين بالاسم: فيقول الرجل لغيره زوجتك ابنتى فاطمة مثلا وهكذا.
7- ألا يكون أحد الزوجين أو الولى مُحْرِمًا بالحج أو العمرة: قال صلي الله عليه وسلم: ( لايُنكِح المُحرم ولا يُنكَح ولا يخطب) [رواه الخمسة].
8- يتم الزواج بإيجاب وقبول: فيعبر الرجل عن رغبته في الزواج لولىِّ المرأة، فيقبل الولى بعد رضاها كأن يقول: زوجنى ابنتك فلانة. ويذكر اسمها فيقول الولى: زوجتك إياها. أو أن يكتب له أو يشير له بإشارة مفهومة إن كان لا يستطيع الكلام فيوافق الولى، فالزواج يتم بعاقدين ، وأجاز بعض الفقهاء أن ينعقد الزواج بعاقد واحد إذا كانت له ولاية على الطرفين، كأن يكون جد الزوجين، أو وكيلًا لهما.
شروط الزوجة في وقت العقد:
ويجوز للمرأة أن تشترط على زوجها شرطًا في عقد الزواج مادام الشرط لا يحلُّ حرامًا ولا يحرِّم حلالا ، ولا يسقط حقَّا من حقوق الزوج ، كأن تشترط عليه ألا تسافر معه إذا سافر، وعلى الرجل الوفاء به، قال صلي الله عليه وسلم: (أحق الشروط أن تُوفُوا بها ما استحللتم به الفروج) [متفق عليه].
الإعلان: ويجب إعلان الزواج لقول النبي صلي الله عليه وسلم: (أعلنوا النكاح) [الترمذي وأحمد والحاكم].
الزفاف: لا بأس بزفاف العروس إلى زوجها لإظهار السعادة والفرح، وتنشد الأناشيد ويضرب بالدف مع الالتزام التام بآداب الإسلام في عدم الاختلاط بين الرجال والنساء، يقول النبي صلي الله عليه وسلم: (فصل ما بين الحلال والحرام ضرب الدفِّ والصوت في النكاح) [الترمذي والنسائي].
الدعوة والوليمة: ويحرص الزوج على دعوة الأهل والأصدقاء لحضور العرس لدعم روح المحبة والتعاون، كما يجب على المدعو أن يقبل دعوة العرس، قال صلي الله عليه وسلم: (أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم لها) [متفق عليه].
ويستحب لصاحب العرس أن يُولم وليمة (يُعد طعامًا للمدعوىن) قال صلي الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف -رضى الله عنه- عندما علم بزواجه: ( أَوْلِمْ ولو بشاة) [مسلم]. وعلى المدعو لوليمة العرس أن يقبل الدعوة لقوله صلي الله عليه وسلم: (إذا دُعى أحدكم إلى الوليمة فليأتها) [متفق عليه].
وعلى صاحب العرس ألا ينسى الفقراء في الدعوة إلى الوليمة لقوله صلي الله عليه وسلم: (شرُّ الطعام طعام الوليمة يُدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء) [متفق عليه].
الخُطبة : ويستحب للزوج أن يخطب خُطبة، ويقال كلام طيب قبل عقد الزواج عن التماس التزويج.
الدعاء للزوجين: كما يستحب الدعاء للزوجين، فعن أبى هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم كان إذا رفَّأ الإنسان (دعا للمتزوج) قال: (بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير) [أبو داود والترمذي].
وإذا دخل الرجل بأهله ، فيستحب له أن يصلي ركعتين بأهله ثم يأخذ برأسها ، ويدعو بما ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم ، فعنه صلي الله عليه وسلم قال: (إذا تزوج أحدكم امرأة، أو اشترى خادمًا ، فليقل:اللهم إني أسألك خيرها ، وخير ما جبلت عليه ، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه) [أبو داود]،
المهر: هو المال الذي تستحقه الزوجة بالعقد عليها أو بالدخول بها حقيقة، من الرجل وله أسماء كثيرة، منها: المهر والصداق والصدقة والنحلة والأجر والفريضة وغيرها ، وهو واجب على الرجل دون المرأة لما دلت على ذلك أدلة الكتاب والسنة وإجماع المسلمين.
والحكمة من وجوب المهر هو إظهار قيمة هذا العقد ومكانته ، وإعزاز المرأة وإكرامها ، وتقديم الدليل على حسن النية في معاشرتها بالمعروف ودوام الزواج ، وفيه أيضًا مساعدة للزوجة على أن تتهيأ للزوج بما يلزمها من ثياب ونفقة.
وليس للمهر حد أدنى ولا حد أقصى، فللرجل أن يدفع للمرأة مهرًا قدر استطاعته ولا يعنى ذلك المغالاة في المهور، فقد دعا الإسلام إلى عدم المغالاة في المهور ، واعتبر أكثر النساء بركة أقلهن مهرًا، وقد ورد أن النبي صلي الله عليه وسلم زوَّج رجلا ببعض آيات يحفظها من القرآن، وعندما عرضت عليه امرأة نفسها، فلم يرغب في زواجها، فقام رجل فقال: يارسول الله، أنكحنيها. فقال صلي الله عليه وسلم: (هل عندك من شىء؟) قال: لا. قال: (اذهب فاطلب ولو خاتمًا من حديد). فذهب، ثم جاء فقال: ما وجدت شيئًا، ولا خاتمًا من حديد. فقال صلي الله عليه وسلم: (هل معك من القرآن شىء؟). قال: معى سورة كذا وسورة كذا .فقال صلي الله عليه وسلم: (اذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن) [البخارى]. وهذا حكم خاص بهذا الصحابي، لا يجوز لغيره.
كما روى أن عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- قال: لا تغالوا صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله، كان أولاكم وأحقكم بها محمد صلي الله عليه وسلم، ما أصدق امرأة من نسائه، ولا أُصدِقت امرأة من بناته أكثر من اثنتى عشرة أوقية ) [ابن ماجة]. (والأوقية: عشرون درهمًا).
ويدفع المهر للمرأة وقت العقد أو فيما بعد ، أو يُعطى بعضه مقدمًا وبعضه مؤخرًا، فإن أخِّر المهر أو أخِّر جزءًا منه فهو دَيْنٌ على الزوج يجب عليه أن يؤديه . فإن وهبته المرأة له أو تبرَّعت به له أو تنازلت عنه فلا شىء عليه ، فإن لم تتبرَّع به ولم تهبه له، فقد وجب على الزوج أداؤه.
الحقوق والواجبات الزوجية
وهى على أنواعٍ ثلاثة:
أ- حق الزوج على زوجته:
فهناك حقوق للزوج تؤديها الزوجة كواجبات عليها تجاه زوجها، ومنها:
(1) الطاعة: فللزوج على زوجته أن تطيعه مادام لم يأمرها بمعصية، قال صلي الله عليه وسلم: (أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة) [ابن ماجة].
(2) التزين: فعلى المرأة أن تتزين لزوجها حتى تبدو حسنة المظهر مما يديم العشرة ويزيد المودة بين الزوجين، وكي لا ينظر الزوج إلى امرأة غير الزوجة ، فعليها أن تكفيه.
(3) الاستئذان: فعلى الزوجة أن تستأذن زوجها في معظم أمورها ، فلا تخرج إلا بإذنه ولا تسمح لأحدٍ بدخول بيته إلا بإذنه، ولا تصوم تطوعًا إلا بإذنه، قال صلي الله عليه وسلم: (لايحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد (أي حاضر معها في البيت) إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه) [متفق عليه].
(4) القيام بأعباء المنزل: من طهى الطعام وتربية الأولاد وغسل الثياب إلى غير ذلك من الأعمال المنزلية،إذا كان قد جرى العرف بقيام الزوجة بأعمال الزوجية، أما إذا كانت المرأة من وسط لا تخدم فيه ، فعلى الزوج أن يستأجر لها خادمة لتقوم بخدمتها وليصح في هذا الأمر العرف السائد ، وقد كانت فاطمة بنت النبي صلي الله عليه وسلم تعمل لعليّ في بيته.
(5) المحافظة على عرضه وماله وبيته وولده عند غيبته: جاء في الحديث: (.. والمرأة راعية على بيت زوجها وولده...) [متفق عليه].
ب- حقوق الزوجة على زوجها:
للزوجة على زوجها حقوق مالية، وحقوق غير مالية:
أولاً: الحقوق المالية:
(1) المهر: أعطى الإسلام للمرأة حقها في التملك، ومن وسائل هذا التملك المهر، وهو فرض لها على الرجل ، وليس لأبيها ولا لغيره الحق فيه أو أخذ شىء منه إلا بإذنها ورضاها.
(2) النفقة: والمقصود بها توفير ما تحتاج إليه الزوجة من طعام وسكن وخدمة ودواء وغيره لقول الله تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} [الطلاق: 6]. وقوله تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها} [الطلاق: 7].
ثانيًا: الحقوق غير المالية: منها:
(1) حسن المعاشرة: فيجب على الزوج أن يحسن معاملة زوجته وأن يعاشرها بالمعروف، ويقدم ما يمكن تقديمه إليها مما يؤلف قلبها ، ويخلق جوَّا من الحب والسعادة بينهما، قال تعالى: {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسي أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا} [النساء: 19].
(2) أن يعلمها أحكام دينها: ويراقبها في تصرفاتها، فاهتمام الزوج بزوجته لا يقف عند الجانب المادى فقط بل يتعدى ذلك إلى الجانب المعنوى ، وذلك بتعليمها أحكام دينها والاهتمام بتهذيب خلقها، وذلك عن طريق النصح الواعى البعيد عن التوبيخ أو التجريح، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة} [التحريم: 6]. وقال تعالى: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} [طه: 132].
(4) ألا يفشى سرها: وذلك لقول النبي صلي الله عليه وسلم: (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضى إلى امرأته وتفضى إليه ، ثم ينشر سرها) [مسلم].
(5) العدل بين الزوجات: إذا كان الزوج متزوجًا بأكثر من زوجة كان عليه العدل بينهن في المبيت والنفقة، وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يعدل بين نسائه، فقد قالت السيدة عائشة -رضى الله عنها- كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يعدل بين نسائه ويقول: (اللهم هذا قسمى فيما أملك ، فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك) [أبو داود].
ج- الحقوق المشتركة بـين الزوجين:
(1) حق التوارث: فكل من الزوجين يرث الآخر بعد موته.
(2) تلبية الرغبة الجنسية: فالزوجة تلبى رغبة زوجها إذا طلبها للفراش، قال صلي الله عليه وسلم: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح) [متفق عليه].
وكذلك على الرجل أن يلبى رغبة زوجته الجنسية ما لم تكن حائضًا، ولا يحل له أن يترك جماع زوجته أكثر من أربعة أشهر، أو ستة أشهر إن كان مسافرًا، فكل منهما يغني صاحبه في قضاء حاجته.
(3) حسن المعاشرة: على المرأة أن تسرَّ زوجها إن نظر إليها، وأن تعاونه وتحفظ سره وتشاركه أفراحه وأحزانه، وتخلص له الودَّ والحب وتصدقه الحديث، فلا تكذب عليه أبدًا، وتبتعد عما يؤذيه أو يغضبه قدر استطاعتها. وعلى الرجل ألا يؤذى زوجته أو يضربها بغير ذنب، وأن يحسن الكلام معها ويتلطف في ذلك كما كان الرسول صلي الله عليه وسلم يفعل مع أزواجه.
المحرمات من النساء
ليست كل النساء حل للرجل ، فهناك نساء يحرم على الرجل الزواج منهن ، والمحرمات من النساء نوعان:
1- نوع يحرم حرمة مؤبدة.
2 - نوع يحرم حرمة مؤقتة.
النوع الأول: المحرمات حرمة مؤبدة:
وهى التي تحرم على الرجل أبدًا بسبب دائم إما من جهة النسب أومن جهة المصاهرة أو من جهة الرضاع.
(ا) المحرمات بسبب النسب وهن: (الأم والبنت، والأخت، وبنت الأخت، وبنت الأخ، والعمة، والخالة).
(ب) المحرمات بسبب المصاهرة وهن: (زوجة الأب أو الجد، وزوجة الابن أو ابن الابن أو ابن البنت، وأم الزوجة وجدتها وبنت الزوجة المدخول بها).
(جـ) المحرمات بسبب الرضاع:
القاعدة العامة التي تحكم المحرمات من الرضاعة هى قول النبي صلي الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب) [رواه الجماعة].
وقد اختلف الفقهاء فيما يثبت به التحريم من الرضاع فقيل: لا يثبت بأقل من خمس رضعات مشبعات متفرقات. وقيل: بل يثبت بثلاث رضعات فأكثر. وقيل: إن قليل الرضاع وكثيره يثبت التحريم والأرجح أن التحريم يثبت بخمس رضعات مشبعات؛ لأن بها يتم التأثير الفعلي في تكوين جسم الجنين من خلال الرضاعة.
النوع الثانى: المحرمات حرمة مؤقتة:
وهن اللائى يحرم الزواج بهن حرمة مؤقتة بسبب معين، فإذا زال السبب زالت الحرمة، وهن خمسة أصناف هى:
(1) المطلقة ثلاثـًا: فلا تحل المرأة لمن طلقها ثلاث مرات إلا إذا تزوحت بغيره ، ودخل بها هذا الغير ثم طلقها باختياره، أو مات عنها فتعود إلى الزوج الأول كزواج جديد بعقد ومهر جديدين.
(2) المرأة المتزوجة: فلا يحل لأحد أن يعقد عليها مادامت متزوجة، والمرأة المعتدة، وهى التي تكون في أثناء العدة من زواج سابق سواء عدة طلاق أو وفاة، فلا يحل لأحد غير زوجها الأول التزوج بها حتى تنقضى عدتها، لأن المرأة تكون مرتبطة به في وقت العدة، فله أن يراجعها ، فلا يسقط حقه بالطلاق الرجعي في وقت العدة.
(3) المرأة المشركة التي لا تدين بدين سماوى: وهى التي تعبد إلهًا آخر غير الله كالأصنام أو الكواكب أو النار أو الحيوان، ومثلها المرأة الملحدة أو المادية وهى التي تؤمن بالمادة إلهًا ، وتنكر وجود الله ، ولا تعترف بالأديان السماوية، فإذا أسلمت هذه المرأة جاز الزواج بها ؛ لإبطال سبب المنع وهو الكفر.
(4) الجمع بين الأخت وعمتها أو خالتها أو غيرها من المحارم: فيحرم على الرجل أن يجمع بين الأختين أو بين المرأة وعمتها وخالتها لقوله تعالى: {وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف} [النساء: 23]. وعن أبى هريرة -رضى الله عنه- قال: نهى النبي صلي الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها. [رواه الجماعة] ، لما في ذلك من قطيعة الرحم التي أمر الله أن توصل.
(5) المرأة الخامسة لمتزوج بأربع سواها: فلا يجوز للرجل أن يجمع أكثر من أربع زوجات في عصمته في وقت واحد، فإن أراد أن يتزوج بخامسة فعليه أن يطلق إحدى زوجاته الأربع، ثم يتزوج بمن أراد. قال تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثني وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدني ألا تعولوا} [النساء:3].
أنواع محرمة من الزواج:
(1) زواج الشغار: وهو أن يزوج الرجل أخته أو ابنته لرجلٍ على أن يزوجه هذا الرجل ابنته أو أخته، دون دفع مهر، قال صلي الله عليه وسلم: (لاشغار في الإسلام) [مسلم والنسائي].
(2) زواج المتعة: وهو الزواج المحدد بوقت كأن يتفق الرجل مع المرأة على أن يتزوجها لمدة شهرين مثلا.
(3) زواج التحليل: وهو إذا طلق الرجل امرأته ثلاث طلقات، فإنها تعتبر بذلك حرامًا عليه، لا يحل له زواجها وإعادتها إلى عصمته، حتى تنكح زوجًا غيره زواجًا صحيحًا بقصد الإحصان ودوام العشرة، فإذا حدث وطلقها هذا الرجل أو مات عنها فإنها تصير بذلك حلالا للزوج الأول إن رغب في زواجها ورغبت فيه، بعقد ومهر جديدين.
ولكن قد يحدث أن تتزوج المرأة المطلقة ثلاثًا رجلا ليحلها لزوجها الأول، فهذا النوع من الزواج هو زواج التحليل وهو محرم، وفاعله (الزوج الثانى) والمفعول له (الزوج الأول) كلاهما ملعون، والمرأة لاتحل به لزوجها الأول.
الوكالة في الزواج:
يجوز للرجل أن يوكل غيره في أن يزوجه امرأة مادام بالغًا عاقلا حرَّا. أما المرأة فيرى جمهور الفقهاء أنه لا يصح لها أن توكل غير وليها في الزواج ؛ لأنها لا تملك إتمام العقد بنفسها، فلا تملك توكيل غيرها فيه، وذلك لاستطاعة الرجل أن يحكم عقله فيما هو صالح له، أما المرأة ففي الأغلب تتبع هواها ، فقد تخدع ببعض المظاهر.
والوكالة نوعان مقيدة ومطلقة:
فالوكالة المقيدة: هى أن يُقَيَّد الموكِّل الوكيل بأوصاف معينة فيمن يختارها له، أو بمهرٍ معيّن لا يدفع أكثر منه، أو بامرأة معينة لا يزوجه غيرها.وفى هذه الحالة يجب على الوكيل أن ينفذ ما طلبه الموكل وألا يتعدّاه.
وأما الوكالة المطلقة: فهى التي لا يعيِّن الموكل فيها صفات ولا مهرًا ولا امرأة بعينها، وهنا يتقيّد الوكيل بالمتعارف عليه، فيختار له مَنْ هى كفء له، ويعيِّن مهرًا معقولاً متعارفًا لا مبالغة فيه، فإن فعل غير ذلك توقف الزواج على إجازة الموكل.
ولا يطالب الوكيل في الزوج بحقوق عقد الزواج كأداء المهر أو زفاف المرأة إلى زوجها أو النفقة عليها أو غير ذلك، لأن الوكيل ما هو إلا سفير ومعبِّر عن رغبة الموكِّل.
تعدد الزوجات:
أباح الإسلام للرجل أن يتزوج أكثر من واحدة، بشرط ألا يجمع في عصمته أكثر من أربع نسوة في وقت واحد، واشترط عليه لهذا التعدد أن يعدل بين الزوجات في الطعام والكساء والسكن والمبيت وكل ما كان في قدرته، فإن كان الشيء خارجًا عن قدرته كالميل العاطفى، فلا شيء عليه إن لم يستطع ذلك، وقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "اللهم هذا قسمى فيما أملك (يقصد المأكل والملبس ومثلهما) فلا تلمني فيما تملك ولا أملك (يقصد العاطفة)" [أبو داود والترمذي].
وإن خاف الرجل ألا يعدل بين الزوجات فيما يملك وجب عليه الاقتصار على زوجة واحدة، قال تعالى: {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم} [النساء: 3].
وقد أباح الإسلام تعدد الزوجات لأسباب عديدة، منها: أن المرأة قد تكون مريضة بمرض لا يُرجى شفاؤها منه، فيتزوج الرجل ليحصن نفسه من الوقوع في الرذيلة، أو قد تكون المرأة عقيمة لا تلد، فيتزوج حتى ينجب الولد.
النشوز بـين الزوجين:
إن وجد الرجل نشوزًا من زوجته (أي عصيانًا منها أو امتناعًا منها عن حق من حقوقه) قام بوعظها أولاً، فإن لم ينفع الوعظ اشتد عليها في القول دون تجريح، فإن لم تستقم هَجَرَهَا في المضجع فلا يجامعها بشرط ألا تزيد مدة الهجر عن أربعة أشهر، فإن لم تستقم ضربها ضربًا خفيفًا ويتجنب ضرب وجهها، فإن لم تستقم رفع الأمر إلى القاضى لتوجيه حكمين إليهما حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها؛ لينظرا في أمرهما فإما الصلح وإما الطلاق، شريطة أن يتوفر في الحكمين الرغبة في الإصلاح ، ولذا اشترط أن يكونا من أهل الزوجين ، وأن يعرف عنهما الإصلاح، فإذا لم يتوفر الإصلاح فيهما ، أو عرف عنهما عدم الرغبة في الإصلاح بعث ولي الأمر حكمين من أهل الحل والعقد؛ قال تعالي : {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجرهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان عليًا كبيرًا. وإن خفتم شقاق بينكم فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما أن الله كان عليمًا خبيرًا} [ النساء:34- 35]. وكذلك الحال ، إن خافت المرأة من زوجها نشوزًا أو إعراضًا، فلُيبعث من أهلها حكم، ومن أهله حكم، قال تعالي: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا فلا جناح عليهما إن يصلحا بينهما صلحًا والصلح خير} [النساء: 128].

نموذج الاتصال

Nom

E-mail *

Message *

Traduction ترجمة

التسميات